ليس الثامن من آذار هو ما كانت تطمح إليه المرأة ليكون لها عيداً سنوياً، لكن هذا العيد أصبح عالمياً ليذِّكَر بأنَّ قضية المرأة هي قضية ذاتَ بعد عالمي يتعدى الحدود الجغرافية للبلدان، وبأنها ما زالت تناضل ليس لمجرد تحقيق مناصب كانت حكراً على الرجال، لأننا بذلك إذ ننتقص من حق المرأة في سعيها ونضالها عندما نختزال القضية بهذا الشكل، فنضال المرأة وسعيها هو أنْ تنعم بالمكانة التي أرادتها لها السماء منذ بدء الخليقة بأن تكون مساوية وشريكة للرجل في كل مناحي الحياة وتتمتع بكامل حقوقها وكرامتها.
لقد اعترت المسيرة البشرية تشوهات ليس أقلها مكانة المرأة في المجتمع، فهناك الكثيرمن التشوهات التي إعترت المسيرة البشرية، فتحول الإنسان إلى مستغّل ومستبّد ومتعال على الآخرين بمنطق القوة لا بقوة المنطق، مما جرّ على البشرية المآسي والويلات والحروب والإقتتال والتناحر، مخلفاً الدمار والحزن والأسى والفقر والجوع وإنتهاك الكرامة الإنسانية وبرءاة الطفولة وحق الأطفال في التنعم بطفولة بريئة إضافة إلى حقهم في التعليم والرعاية والصحة والنفسية والأمان، ومستبيحاً كذلك أعراض النساء ومستغلاً لضعفهن وعاطفتهن وطبيعتهن الرقيقة.
لذلك فالبشرية كلُّها تعاني من كلِّ تلك التشوهات التي تعصفُ بعالمنا وتسلبُ منه جماله وفرحته وراحته واستقراره، وهذا ما يجب أن يحذو بالدول أن تؤسس لمبدأ العدالة والمساواة في الكرامة الإنسانية وبمبدأ الشفافية وتكافئ الفرص، وعدم التمييز على أساس الدين أو الطائفة أو العرق أو الجندر، بل تؤسسَ لمجتمعٍ إنساني تسوده روح العدالة ويعلوه قيم الحب والجمال والفن والموسيقى والإبداع والإنجاز.
أما فيما يخص قضية المرأة فهي قضية عدالة ومساواة من غير إنتقاص أو تقليل، فالمرأة خلقها الله شريكة للرجل، وتشكل معه أساس البيت الزوجي ونصف المجتمع، وكما يقول أحدهم أنها- أي المرأة- هي نصف المجتمع وهي صانعة للنصف الآخر. والأم مدرسة إذا أعددتها .. أعددت شعباً طيّب الأعراق. فبدون مثل هذه المشاركة الفاعلة والعادلة يصعب أن تنمو المجتمعات وتتطور، فالمرأة ليس ضلعاً قاصراً بل شريكاً قادراً أن يحمل مع الرجل أعباء الحياة وينهض بها، فجمال الكون يكمن في تنوعه وغنى مواهبه، فما خصّه الله بالمرأة من جمال الروح والحنان والحب والرقة عناصر هامة يحتاجها عالمنا ليكون عالماً متوازناً في كل شيء، فالله سبحانه وتعالى لم يجد في الكون نظيراً لآدم سوى حواء، فلا يُغنيه شيء في الدنيا عنها، وبها ومعها تتقدم الإنسانية وتزهرُ لنا أبناءً متنورين ومثقفين ومتعلمين وقادرين على رأب الصدع بين الأجيال المتعاقبة وردم فجوة التكنلوجيا والتطور في كافة مناحي الحياة.
هذا ما تسعى إليه المرأة في مسيرتها وفي نضالها لتكون كما أرادها الله أن تكون في مكانها الطبيعي تنبض بكل معاني الحب الأمومة والحنان والعطاء. ومع ذلك نقول لكنّ في الثامن من آذار كل عام وأنتّن تاج الخليقة وماستها.