" هذا مكان الخضرة الاولى وغناؤها المسبيُّ في وجه تألق في دروب نشتهيها كلما رحل النهار
الشمس قنديل المحبة والرؤى قرص الحنين " .
للتاريخ في اديمها حكايات واسرار .
دعوني اشد الرحال الى الشمال ... فهناك مستودع الحضارات وايقونة الجمال ومواكب الرجال .
" ولكل ارض من جمالك قسمةً وجمال كل الارض في ناديكِ
ان الضحايا في هواك كثيرة فتذكري ما كان في اليرموكِ ".
منذ العصر البرونزي(٣١٠٠) قبل الميلاد والتاريخ ينقش وشمه على وجه حرثا ، حرثا البلدة التي تنام على اثار مدينة كبيرة ما زال معظمها مدفونا تحت الارض ،" سجل مكانك في التاريخ يا قلم فهاهنا تبعث الاجيال والامم " .
رافانا .. ابيلا .. تل ابيل .. قويلبة.. حرثا .. حرتا ... تعددت الاسماء وجذر الجمال واحد ، وآبل كلمة سامية تعني المرج وقيل ان معناها الروض ، في الحديث الشريف ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حجة الوداع جهز جيشاً وأمر عليه اسامة بن زيد وامره ان يوطىء خيله آبل الزيت من مشارف الشام ، وكأني بالهادي البشير يحدد ميدان اليرموك قبل وقوعها ، وكأنه يهد حائط الروم قبل ان يموت .
حرثا المدينة التي نعمت في العهد الروماني بكل مقومات الحضارة والرفاهية من مسارح ومعابد وساحات عامة وشوارع ومدرجات وجسور وانفاق .
حرثا العاصمة العسكرية للجيوش الحثية .
حرثا احدى المدن العشر الذي زينت عقد اليرموك وجيد حوران .
في فضاء حرثا لا يزال يتردد صدى اهازيج الصحابيات " يا هارب من نسوة ثقات ، لهن جمال ولهن ثبات " ، " يا معشر العرب احصدوا الغلف بالسيوف " ، " يا نصر الله قد اقترب ، الثبات .. الثبات " .
ولا زال يسمع صليل السيوف وحمحمات الخيول المطهمات لمواكب الفرسان " كنا نقدم للسيوف صدورنا لم نخش يوما غاشما جبارا ، فكأن ظل السيف ظل حديقة خضراء تنبت حولها ازهارا " .
ولا زال مرسوما في الاذهان ان الفئة القليلة الصابرة قادرة على قهر القوة الغاشمة ممهورة باندحار هرقل وزفرته الاخيرة على ارض الشام " وداعا يا سوريا لا لقاء بعده " ، " فكم للشام من ايدٍ وفي التاريخ ايام " .
من هنا اخوة موزة اميرة الحج الشامي ، من هنا كايد المفلح العبيدات ، حين كانت العشائر تبحث عن موطئ قدم في العالم الجديد ، كان الشيخ مفلح وشيوخ الكفارات يبحثون في قم حوران عن استئصال سرطان الامة الوليد ، ووأد وعد بلفور المشؤوم قبل ان يولد ، فهاجموا المستعمرات اليهودية والمعسكرات البريطانية في بيسان وسمخ وطبريا ، تحت عنوان " ان اشرف الموت هو الموت في سبيل الله وعلى تراب فلسطين الطهور " .
وضرب وطعن تحت ظل عجاجة كجنح الدجى من وقع ايدي السلاهبِ
ويبنى بحد السيف مجدا مشيدا على فلك العلياء فوق الكواكبِ " .
خذلوك بني يعرب يا كايد ، يتقاطرون كالذباب على مزابل اسرائيل ؛ ليتني مت قبل هذا ؛ ليتني لم احيا الى هذا اليوم... .
حرثا احدى بلدات لواء بني كنانة ، يحدها من الشمال عقربا ونهر اليرموك ، ومن الجنوب حبراص والخريبة ، ومن الشرق خرجا وبرشتا وقراقوش ، ومن الغرب الرفيد ويبلا وكفرسوم وسحم الكفارات .
" منها رضعنا خصال العز اجمعها عزم وحزم واكرام واقدام
جادت علينا فلم تبخل على احد هي الغرام وباقي الحب اوهام " .