لشهر رمضان المبارك مكانة خاصة في قلوب المؤمنين في جميع أنحاء العالم.. 1.8 مليار مسلم حول العالم يستقبلون الشهر الكريم الذي يقدم تذكيراً روحياً وجسدياً دائماً بالله عز وجل.. ويتميز رمضان بالتركيز فيه على الأعمال الخيرية والعبادات وتنمية التعاطف والتواصل مع الآخرين وصلة الرحم، وهذا العام وبعد عودة الحياة لطبيعتها بشكل كبير في كثير من دول العالم، يخطط العديد من المسلمين لاستئناف التجمعات الليلية، وإقامة عزائم الإفطار.
من صلاة التراويح الجماعية وتزيين الشوارع وشراء ملابس جديدة إلى قراءة القرآن في المساجد والمنازل في نهار رمضان، مع تنوع في طقوس استقبال المسلمين حول العالم للشهر الفضيل.
يتميز شهر رمضان في بلادنا العربية على الأغلب بالأجواء الدافئة والعادات والتقاليد المتوارثة من جيل إلى جيل، حيث تبدأ العائلات بالتحضير للإفطار الجماعي وتبادل الزيارات، وتمتلئ الأسواق بـ الفوانيس، وتُغطَّى الشوارع بالكامل بأنوار وزينة رمضان، وتبدأ المساجد في التحضير لصلاة التراويح والتهجُّد.
هكذا عرفنا رمضان في بلادنا العربية وتعوَّدنا عليه، ولكن ماذا عن باقي العالم؟ هل يعرف غير المسلمين بوجود شهر رمضان؟ وكيف يحتفي به المسلمون المُقيمين في دول مسلمة غير عربية، أو بلاد أوروبية غير مسلمة؟
بين حلقات الذكر و«الكيتوبات»
تتميز الدول المسلمة غير العربية مثل باكستان وإندونيسيا بالاحتفال بقدوم شهر رمضان بشكل خاص، حيث تمتلئ المساجد بحلقات الذكر وتلاوة القرآن، وتُغلَق المطاعم والكافيهات أثناء فترة الصيام، وتقوم العائلات بالتجمع وتبادل الزيارات والالتزام بالذهاب إلى المسجد بشكل منتظم لأداء صلاة التراويح. كما تقوم الحكومة الإندونيسية بصرف زيادة مالية للموظفين في آخر شهر رمضان لكي يستطيعوا شراء حاجتهم والتحضير لعيد الفطر.
ولعل أهم ما يُميِّز هذه الفترة هو تحضير العائلات المسلمة في إندونيسيا في آخر شهر رمضان لوجبة تسمى «الكيتوبات»، وهي وجبة تتكون من الأرز الأبيض وأوراق جوز الهند، حيث تُنسَج أوراق جوز الهند لتُشكل رسمة تشبه الألماس، وتُحشى هذه الأوراق بالأرز الأبيض. كما يتميز اليوم المُتمِّم لشهر رمضان، أو كما نُطلِق عليه نحن «ليلة العيد» بانتشار أصوات التكبير في شوارع إندونيسيا وخروج الناس إلى الشوارع في تجمعات للسير معًا أثناء التكبير.
ولعل أهم ما يلفت النظر للأمر هو التشابه الكبير لهذه الطقوس مع الطقوس العربية للاحتفال بشهر رمضان، بل كانت المفاجأة الطريفة هو نزول بعض الأفراد إلى الشوارع في إندونيسيا قبل الفجر لإيقاظ النائمين حتى يقوموا بتناول وجبة السحور، أو كما نطلق نحن عليه في ثقافتنا العربية «المسحراتي».
كيف يرى غير المسلمين رمضان؟
ولكن ماذا عن الدول غير المسلمة؟ هل يعلم غير المسلمين من الأوروبيين بوجود رمضان؟ وكيف يقضي المسلمون المقيمون بالدول غير المسلمة رمضان؟
في الأعوام الأخيرة ومع الانفتاح الحضاري بدأت بعض وسائل الإعلام بتسليط الضوء على عادات وتقاليد الشعوب المختلفة، سواء كانت هذه العادات ذات أصل ديني أو أصل حضاري. ومن أهم الأمثلة على ذلك قيام بعض وسائل الصحافة بالتحدث عن رمضان والمسلمين وتصحيح بعض الحقائق عن رمضان للقارئ الأوروبي، مثل موقع CNN الذي كتب تقريرًا كاملًا بالإنجليزية عن الأسلوب الواجب اتباعه في التعامل مع المسلمين أثناء صيامهم، والذي يهدف إلى توجيه الناس من مختلف الديانات إلى فهم رمضان بشكل أفضل.
لم يتوقف الأمر على الصحافة والإعلام، بل شمل الأمر أيضًا مناهج التعليم. فقد لفت نظري مؤخرًا أثناء تصفحي لمواقع التواصل الاجتماعي منشورًا لمُعلمة بريطانية غير مسلمة تتحدث فيه عن موقف لاحظته أثناء قيامها بشرح درس تعليمي للأطفال عن الدين الإسلامي في إحدى مدارس بريطانيا، حيث قامت المعلمة بتحضير نشاط مجسم تعليمي على شكل مسجد تمهيدًا لشرح شهر رمضان لتلاميذها الصغار، وقالت المعلمة إنه بمجرد رؤية المسجد قام أحد التلاميذ الصغار المعروف بهدوئه داخل الفصل، بالتحدث والتفاعل بإيجابية وفرحة مع الدرس، وظل يشرح لأصدقائه طوال اليوم الدراسي معلومات عن الدين الإسلامي. ثم تابعت أن هذه اللحظة من أكثر اللحظات التي شعرت فيها بالفرحة والفخر خلال مسيرتها العملية كمعلمة.
ولعل ما لفت نظري في الأمر هو قيام تلك المعلمة غير المسلمة بشرح درس تعليمي عن رمضان في دولة غير مسلمة ولتلاميذ معظمهم غير مسلمين. بحثت في الأمر على الإنترنت لأجد أن بعض الدول قامت بتجديد المناهج الدراسية في الفترة الأخيرة لتصبح أكثر شمولية، وأن شهر رمضان بالفعل يتم تدريسه في المناهج البريطانية، وذلك بغرض توعية الأطفال من جميع الطوائف عن هذا الشهر العظيم وأهميته عند المسلمين، والفروض الدينية التي يحافظ عليها المسلمون إلى جانب الصيام أثناء رمضان، وذلك بشكل مُبسَّط من خلال أنشطة تعليمية تفاعلية تتم داخل المدرسة.
وتتنوع هذه الأنشطة لتشمل دروسًا عن فضل الصدقة والعطاء، والصلاة، ومساعدة الغير، وغيرها. ولعل أبرز هذه الدروس التعليمية درس عن رمضان في دولة إسكتلندا.
رمضان والطعام حول العالم.
فتشتهر مصر مثلاً ببعض الوجبات الرمضانية التي لا يختلف عليها شخصان، كأطباق «المحشي وورق العنب والجلاش والبط» وغيرها من الأطباق الرمضانية الشهيرة. يوجد أيضًا أطباق محبوبة في كل دولة.
مثلما تحدَّثنا عن طقوس المسلمين في شهر رمضان في مختلف البلاد، والتفات العالم بأكمله واحترامه لها، لا بد ألَّا نتجاهل أيضًا التحدث عن موضوع الطعام في رمضان حول العالم.