حادثة العقبة كانت تمريناً بالذخيرة الحية، تجربة حقيقية لإدارة الأزمة اختباراً واقعياً لكيفية تبادل الأدوار، الوقوف على مدى جاهزية أجهزة الدولة، من حيث التنسيق والتناغم وكفاءة الاستجابة، سرعة رد الفعل، بين الأجهزة الأمنية والجيش والكوادر الطبية، مع متابعة حثيثة من مركز إدارة الأزمات، وإشراف مباشر من مؤسسة القرار الأعلى، بدءاً بجلالة الملك، وسمو وليّ العهد، ورئيس الحكومة والوزراء المعنيين، مما أدى إلى وضع الحادثة تحت السيطرة.
تاريخ الأردن حافل بمواجهة الأحداث الطارئة والمواقف الصعبة، فالارتقاء بالوطن يمرّ تحت ظلال أرواح الشهداء، ترفرف الرايات فوق أضرحةٍ «ومنهم من قضى نَحْبَهُ»، وتستمر المسيرة بجهود القادة الرجال، الذين نذروا أنفسهم لبناء هذا الوطن، وخدمة هذه الأمة، رغم الجراح والشوك والمنغصات، أُسِّسَ الأردن على قواعد صلبة، وعلى مبادئ راسخة، وحسب تعليمات واضحة، لا تترك للصدفة مجال، ولا للشيطان ثغرة، ولا للارتجال نصيب، ومن الظلم أن يُقارَنَ الأردن بالدول الفاشلة، ليصبح المعيار «نحن أفضل من دول الجوار».
حادثة العقبة تتلخص بسطرٍ واحد، رافعة يتدلّى منها حبلٌ تالف، فوق رصيفٍ غير مؤهل، وصهريج معبّأ بالكلور، بصراحة قبل انقطاع الحبل، الجميع يدعو (اللهم نعوذ بك من العجز والكسل)، وعندما عجزت أجهزت الرقابة والتفتيش، ارتقى إلى جنات الخلد شهداء الجهاد الأكبر، شهداء لقمة العيش، ورغيف الخبز، الحبل المقطوع متروك منذ أن أصبحت معايير السلامة العامة متطلّبا اختياريا، نام الفنيون والخبراء، (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ)، استيقظوا على رائحة الغاز المتسرب من الصهريج.
العقبة هي سواد العين، معقودٌ في نواصيها الخير، بؤرة رأس المال، مركز الاستثمار، الوجه الحضاريّ للأردن، شريان الحياة، رئة التنفس، لا تحتمل الخطأ، لا تخضع للتجربة، منطقة اقتصادية حيوية، تستحق نقلة تحديث نوعية، تراعي إجراءات وقائية، احتياطات أمان جديّة، ومعايير سلامة عالمية، الحادثة هي محطة لأخذ الدروس والعبر نحو المئوية الثانية.