هل نحن أمام استعمار اقتصادي جديد؟ هل تسقط دول في فخ الديون وتعلن إفلاسها ؟ وهل يمكن أن نشهد دول تعرض للبيع بالمزاد العلني مستقبلا ولا تجد مشترين ؟ ما حقيقة احتمال زوال دول عن الخريطة قريبا؟.. أسئلة كثيرة تطرح نفسها في ظل ما نشهده اليوم من تنافس بين الدول الكبرى على كعكة اقتصادات الدول النامية.
ما يسوقني لهذه المقدمة اعلان مجموعة السبع الأخير عن إطلاق برنامج ضخم للاستثمار في البنى التحتية في الدول النامية تبلغ قيمته 600 مليار دولار ، ويهدف الى الرد على المشاريع الواسعة النطاق التي تمولها الصين في هذه الدول عبر مشروع طريق الحرير أو الحزام والطريق.
قمة السبع تبدو في ظاهرها مواجهة مع روسيا لتقليم أظافرها وتجفيف مصادر تمويلها للحرب في أوكرانيا ، لكن في باطنها رسالة مواجهة مع الصين عبر طرح مشروع مماثل لطريق الحرير لاختراق الدول الفقيرة من بوابة التنمية والقروض الميسرة وطويلة الاجل والمنح والمساعدات.
الخوف يساور أمريكا وحلفائها في الدول الصناعية الكبرى من استعمار اقتصادي صيني للعالم عبر فخ الديون، التي تصل الى 1.6 تريليون دولار ، وتسعى واشنطن للعب نفس الدور الصيني مع الدول النامية والضعيفة في اطار التعامل الشفاف والعادل مع "الديموقراطيات " لتحل مكان بكين في تطوير شبكات الكهرباء والبنى التحتية .
يخشى الغرب أن تفاقم الصين عبر قروضها المحفوفة بالمخاطر ومشاريعها منخفضة العوائد في آسيا وإفريقيا وغيرها من مشكلات ديون البلدان الهشة أصلا ، ما يؤدي إلى نوع جديد من الاستعمار الاقتصادي الذي يفضي الى استعمار سياسي يرهن مصير الدول وقرارتها السيادية بسداد الديون.
يعلم الغرب جيدا أن "طريق الحرير" ناعمة الملمس لكنها قاسية المحتوى ، وتعني وصول الصين الى الثروات والمواد الخام في الدول المقترضة وخصوصا في القارة الأفريقية .
المشروع الصيني في مواجهة مشروع السبع للبنية التحتية يصبان في خانة واحدة وهي تعزيز السيطرة الاقتصادية على العالم عبر الشراكة والقروض ، وهذا يأتي في إطار قانوني وإنساني وتنموي.
علينا الاعتراف ان تكلفة الاحتلال العسكري بمفهومه المباشر كبيرة وأصبح الاحتلال مكلفا جدا وبلا عائد على المدى الطويل، والاحتلال الإسرائيلي قد يكون آخر احتلال استعماري بالمفهوم العسكري في العالم ، فالعولمة أفرزت واقعا جديدا وأسقطت أدوات السيادة في امتحان الجائحة وتنامي الشعبوية والاتجاهات القومية والانفصالية في العالم .
دولة مثل سريلانكا تعاني من أزمة ديون مزمنة آيلة للسقوط بلا مشترين ولا تمتلك قوت يومها ولا طاقة لديها ، ومثلها دول كثيرة تتخلف عن سداد ديونها ولا خيار أمامها سوى اعلان الإفلاس أو انتظار الفرج من خلال بيع المقدرات والاملاك العامة عبر تطبيق "التخصيص الاجباري" وكل هذا "استحمار" للشعوب.