لطالما قلنا، في أكثر من مناسبة، إن بعض مشاكل مؤسسات الدولة، وشركاتها العامة، ترجع إلى طريقة الإدارة العامة وإدارة المال وإن وضع «الشخص المناسب بالمكان المناسب»، هو السبيل الأنجع لنجاح المؤسسات الأردنية. فالتراجع الحاصل، في عدد من مؤسسات الدولة، والذي نتج عنه أخطاء كارثية، يعود، بالدرجة الأولى، إلى سياسات الإرضاء والواسطة والمحسوبية التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة في التعيينات.
إن قناعتي المطلقة أن «البيروقراط» الأردني مؤهل بدرجة كبيرة لإدارة المؤسسات العامة، فهو تربى على سمعة المؤسسين الاوئل، المضروب بهم المثل في النزاهة والحصافة في الإدارة. ومثلما يحلو للبعض تناول السلبيات، يجب، أيضاً أن نعظّم ونظهر الإيجابيات في مؤسسات الدولة.
طالعتُ، قبل أيام، تقارير عديدة تتعلق بالإنجازات التي حققها قطاع الاستخراج والتعدين، والتي وصلت إلى تحقيق إيرادات مالية، بلغت 1.55 مليار دينار في الستة أشهر الأولى من سنة 2022 وحازت شركتا البوتاس العربية ومناجم الفوسفات الأردنية على 97% من إجمالي إيرادات القطاع، وبقيمة إيرادات للشركتين بلغت نحو 1.5 مليار دينار.
صحيح أنّ هناك أسبابا عالمية لمثل هذه المبيعات والنتائج، ولكنها أيضا، تعكس نجاح وشمولية خطط الشركتين، وجهود العاملين فيهما، وكفاءة إدارتيهما، التي مكّنتهما من الوصول إلى مثل هذه النجاحات.
فشركة مناجم الفوسفات، مثلا، مُنيت، قبل سنوات، بخسائر كبيرة، ولكن بفضل طريقة إدارتها في التعامل مع الأسواق العالمية، وإدارة المال العام، منذ أن تسلّم رئاسة مجلس إدارتها الوزير الأسبق الدكتور محمد ذنيبات، والكوادر المؤهلة التي يقودها الرئيس التنفيذي المهندس عبدالوهاب الرواد، استطاعت الخروج من قائمة الخاسرين، إلى قائمة الرابحين المتميزين، حيث حققت نتائج تاريخية وغير مسبوقة في النصف الأول من هذا العام وصلت إلى أرباح بقيمة 549 مليون دينار. كما وقعت اتفاقيات بقيمة 1.5 مليار دولار لتزويد الشركات الهندية باحتياجاتها من الفوسفات وحامض الفوسفوريك وسماد الدّاب.
والذين قالوا إنّ الدولة باعت شركة الفوسفات، ولا تستفيد من أرباحها، فعليهم التدقيق أكثر؛ فالشركة مملوكة بنسبة 25.6 لشركة المساهمات الحكومية و16.6 لمؤسسة الضمان العامة، ولكُم أن تتصورا الأرباح التي تعود عليهما، ناهيك عن الضرائب التي تدفعها للحكومة.
وتعتبر شركة البوتاس العربية من الشركات الناجحة على مدار السنوات الطويلة من عمرها، ولقد استطاع كادرها بقيادة رئيس مجلس الإدارة الوزير الأسبق المهندس شحادة أبو هديب، والرئيس التنفيذي الدكتور معن النسور، القفز بها إلى مستويات أعلى من حيث تحقيق الأرباح ومواصلة الحفاظ عليها في قائمة الشركات الأردنية الرابحة. وقد وصلت أرباحها، في النصف الأول، من هذا العام، إلى 352 مليون دينار.
وما يعكس الثقة بهاتين الشركتين لدى المساهمين الكبار والصغار والمستثمرين، هو الارتفاع بأسعار أسهم الشركتين حيث وصل سهم الفوسفات في آخر تداول في سوق عمان المالي إلى 35.5 دينار وسهم شركة البوتاس العربية إلى 41.6 دينار.
يذكر أن شركة البوتاس العربية تأسست العام 1956 كشركة عربية تساهم بها الحكومة الأردنية، وما زالت وزارة المالية ومؤسسة الضمان الاجتماعي تملكان 31% من مجموع أسهمها.