يولد الانسان ككائن معتمد على غيره، وتنحصر حاجاته بالجانب البيولوجي البحت، طعام وماء ووظائف جسمانية مباشرة، البكاء والضحك كإستجابة للحاجات الوظيفية لجسمه، ثم تبدأ عملية التنشئة وهي عملية تغيره من كائن بيولوجي إلى كائن إجتماعي، يقول الباحثون إنها عملية التطبيع الإجتماعي التي تجعل منها عضواً في جماعة يكتسب ثقافتها وقيمها وتقاليدها.
في الدول التي تتكرس فيها تقاليد راسخة في حقوق الإنسان يعتبر الطفل طاقة إستثنائية، ومجمل حياته مهما طالت وتفكيره وطبيعته تتحدد في السنوات الأولى في طفولته، لذلك الكثيرين يستدعون في مراحل متقدمة من أعمارهم حياتهم الأولى التي شكلت شخصيتهم.
اليوم هناك مصادر تهديد تواجه أطفالنا، وأهمها الطفرة التكنولوجية، نحن نعترف أنها صارت جزءاً من حياتنا، وكلنا متورطون بالاستخدمات المتعددة من منتجاتها. لكن لنعترف أن هذه الجزئية لا تعالَج بالشكل الكافي من حيث توجيه الطفل إلى إهتمامات تعليمية معرفية ترفيهية خاضعة للمراقبة الدائمة، كيف يواجه الطفل مشاهد إباحية أثناء التصفح والتنقل بين الشاشات، هذه الجزئية تهدد مستوى إدراكه خصوصاً في المجتمعات المحافظة، أظن ان هناك برامج حماية مجانية ومتاحة لتحصين الأجهزة الذكية من المواقع الإباحية والمتخصصين يساعدون في هذا من يحتاج لخبرتهم.
إحدى مصادر التهديد هو وقت الفراغ، ليس هناك متنفسات حيوية آمنة للأطفال، يلعبون في الشوارع بحثا عن تفريغ لطاقتهم والشوارع، مع ما يستدعيه هذا من خطورة عليهم من كل الجوانب، من الدهس إلى رفقة السوء وغيرها.
لقد صنعت خيراً وزارة الاوقاف حيث ربطت الجانب التعليمي والتربوي في المساجد مؤخراً، والشكر موصول لمراكز تحفيظ القرآن والأندية التي تستوعب الاطفال في برامجها الرياضية والترفيهية.
أحد مصادر التهديد هو المناهج الدراسية المحشوة بالمعلومات، إطلعت على كتب طلاب في المرحلة الأساسية استغرب حجم المعلومات فيه، وأشفق على زملائي المعلمين الذين يقفون في كل حصة امام ثلاثين طالباً على الاقل لشرح هذه المواد المحشوة .. لكني أترك الراي في هذا إلى خبراء المناهج والتقويم وهم كثيرون في وطننا.
حتى الآن لا تحظى بعض المواد بالاهتمام الكافي، وهذا مشكلة قديمة، الفن والرياضة والمهني هي كم زائد، مع انه لو فكرنا فيها لوجدنا أنها حصص من أهم الحصص التي يمكن أن تفرغ طاقات الأطفال والطلبة في المدارس وتكرس اتجاهات ايجابية لديهم.
قبل أن نفكر بحقوق الطفل على الجهات المعنية تشخيص ثقافة الطفل وثقافة المجتمع، وهذا يحتاج الى دراسات و مسوح متخصصة، الأساس ان ينمو الطفل في منزل آمن لا يعتمد على العقاب والتعنيف وان يكرس لديه اخلاقيات وقيم المجتمع المستمدة من ديننا الحنيف، وان تراعى خصوصية المجتمع وثقافته في كل التشريعات التي تنظم حمايته من كل اشكال الإساءة .