عاش عيشة الحرمان الأبوي والحرمان المادي ، حيث توفي والده عندما كان عمره ( ٤ ) شهور وكان الأبن الوحيد لأمه مع اخت واحدة، عاش فقيرا جدا معدما من رعاية الأبوة . لذلك كان يتأثر كثيرا ويشعر مع المعلمين أصحاب الظروف الخاصة ، فحياته انعكست على عمله التربوي والدعووي في مجال الوعظ والإرشاد ، لاحظت عند مرافقته للمدارس أنه يستغل الفرصة لإسداء النصائح والإرشادات في مجال الفضيلة والأخلاق في الطابور الصباحي واللقاءات والمؤتمرات و الإجتماعات ، لقد شاهدت تأثير كلامه على مستمعيه .
تولت والدته - رحمها الله - رعايته في قرية السلع ، بعدها أمضى طفولته عند إخواله العوابدة الشيخ محسن و محيسن العوابدة .
توفي والده بنفس العام الذي ولد فيه سنة (١٩٥٦) حيث كان والده مؤذناً ومتدينا جدا يشهد له بالدين والوقار ، و عندما زار والده الحرم المكي عام( ١٩٤٣ ) رفع صوت الآذان هناك في الحرم المكي وطلب منه البقاء بمكة وعرضوا عليه أن يصبح مؤذنا بالحرم المكي لجمال صوته لكنه رفض لأسباب غير معلومة .
ولد الراحل الشيخ عبدالكريم القرارعة مدير الشؤون التعليمية والفنية في عام (١٩٥٦) في قرية السلع و أكمل تعليمه الإبتدائي و الإعدادي في نفس القرية ، أصبح يذهب سيرا على الاقدام إلى الطفيلة لإكمال دراسته الثانوية العامة .
تفوق في الثانويه العامه إذ كان من أوائل لواء الطفيلة آنذاك وحصل على منحة دراسية لدراسة البكالوريوس في الجامعة الأردنية .
بعد أن أنهى دراسته الجامعية عام( ١٩٧٨) ، تم تعينه في بصيرا معلما لمادة التربيه الإسلامية عام ( ١٩٧٨) ، ثم أصبح مديرا لها عام (١٩٩٢) و مديرا لمدرسة غرندل الثانوية للبنين سنة ٢٠٠٥/٢٠٠٦، بعد ذلك انتقل الى مدرسه العين البيضاء الثانوية مديرا ، حصل على الدبلوم العالي في التربية في جامعه مؤتة .
في سنه( ١٩٩٧ ) أعير إلى سلطنه عمان وعمل فيها مديرا لمدرسة ثانويه لمدة ( ٨ ) سنوات خلالها حصل على جوائز ريادية وتربوية من سلطنة عمان ، بعدها عاد إلى الطفيلة وعين مشرفا في تربية بصيرا عام ( ٢٠٠٨ )، ثم بعدها عين مديرا للشؤون الفنية والتعليمية في تربية و تعليم الطفيلة عام (٢٠١٣ ) و تم تكليفه مديرا لتربية الطفيلة بالوكالة ، إضافة إلى مدير إداري تكليفا .
عمل مأذونا شرعيا من (١٩٩٠) لغاية (١٩٩٧ )وفي نفس الوقت خطيبا لمنطقة عين البيضاء وما حولها .
يعتبر الراحل - رحمه الله - أحد أبرز أعلام التربية في الطفيلة ، و أحد أبرز خبراء التربية والتعليم الذين يقدمون النصح والإرشاد إلى كافة قطاعات ومؤسسات المجتمع المدني وأصحاب الرأي في محافظة الطفيلة ؛ لخبرته الكبيرة وثقافته الواسعة وعلاقته الوطيدة بالمجتمع المحلي ؛ كونه تربويا وخطيبا مفوها في المساجد .
ينحدر - رحمه الله - من عشيرة القرارعة التي تعتبر أحد أعمدة العشائر المعروفة في بني حميدة -عين البيضاء- الطفيلة في جنوب الأردن .
عرف بتدينه المعتدل، والتزامه الكبير بشعائر ديننا الإسلامي الحنيف ، فقد كان ذاكراً لله في عمله ومكتبه وأثناء قيادته لسيارته ، لقد كان نعم الرجل التربوي الهادىء والإمام القارىء للقران ،والمبتسم وذات وجه بشوش رغم قسوة الحياة وظروفها، فقد كنتُ أُرافقه إلى المدارس و المراكز الصحية عندما كان مديرا للشؤون الفنية والتعليمية لمديرية تربية منطقة الطفيلة في أعوام (٢٠١٣) (٢٠١٤)(٢٠١٥)(٢٠١٦) (٢٠١٧) وبعدها نائبا لمدير التربية والتعليم في غير مرة حتى وافته المنية.
وقبل وفاته كان يعاني من شدة الألم في ظهره وجسمه منذ سنة ، ومع ذلك تجده في مقدمة العاملين في مديرية تربية منطقة الطفيلة فتراه يزاول عمله يوميا، وكأنه في ريعان شبابه، فقد كان- رحمه الله -ملتزما بعمله داخل المديرية وخارجها لا يغادرها إلا عند الضرورة أو تفقد المدارس ، فقد كان يخفي أوجاعه وألمه ، ولقد لاحظتُ في كل مرة أُرافقه فيها إلى المدارس بحكم كنت أقوم بتغطية إعلامية لنشاطات المدارس، فكاد ينزل من وسيلة النقل بمشقة لمعاناته من المرض حتى أذن الله له بالرحيل من الحياة الدنيا ومنغصاتها وأمراضها و أوجاعها .
وقتها لم أكن أتوقع أن يكون الرجل الذي كنت أتمنى أن يكون خليفة لمدير التربية والتعليم الأسبق الذي أُحيل على التقاعد أن يغادرنا سريعا إلى جوار ربه في الوقت الذي كنت أتوقع أن يكون له شأن عظيم كغيره ممن خدموا الوطن ،وما زال ذكراهم يذكر كل حين .
ولم أكن أتوقع أن يكون الرجل الذي دار بيننا اتصال هاتفي لأخبره بتقاعد المدير السابق أن ينهي حديثه بضحكة مستمرة بعدها أنهيت حديثي ، لاكتشف بعد ساعة أنه في عمان ليتعالج من المرض العضال الذي لم يمهله طويلا .
ولم أكن أتوقع أن يكون الرجل الذي رافقته عدة مرات في تغطية إعلامية لرعايته بعض المناسبات والفعاليات المدرسية أن يتركنا نصارع الحياة بمفردنا بعد أن رأيتُ فيه المعلم والمربي و القائد و الأب.
كان -رحمه الله - في كل مناسبة وفعالية أُرافقه فيها يغدقني أمام الحضور قبل بدء أي فعالية من طيب الكلام وعبقه وحلو اللسان وعذوبته ، فقد كان يشعر معي في جميع الظروف الصعبة التي كنت أعانيها وكان ينتظر حتى يصبح مديرا للتربية والتعليم لينتهز الفرصة لانصافي والذهاب بي إلى عمان ، لأكمل مشواري الإعلامي هناك ، فقد كان -رحمه الله- على قناعة بأنني إذا بقيت على حالي هذه فلن تقم لي قائمة ،وسأبقى أصارع خفافيش الظلام حتى أنهي مشواري ،الذي كنت أتوقع أن يكون مليئا بالزهور والورود لا مليئا بالأشواك والحجارة التي أشاهدها كل يوم في طريقي وعملي وأعاقت مسيرتي العملية والإعلامية.
فكم هي قاسية لحظات الوداع والفراق، التي تسجل وتختزن في القلب والذاكرة. وكم نشعر بالحزن وفداحة الخسارة والفجيعة، ونختنق بالدموع لفقد الأحبة.
نودعك أستاذنا الفاضل، فتنحني قامتنا وكبرياؤنا احترامًا وتقديرًا لمقامك الرفيع . كنت واحدًا من جيل المربين والأساتذة الأفاضل المؤمنين بالرسالة التربوية العظيمة، الناكرين للذات، من ذلك الزمن الجميل البعيد، أستاذنا جميعا.ً.
فقد فارقت الدنيا، بعد مسيرة عطاء عريضة، ومشوار حياة في السلك التعليمي والعمل التربوي والاجتماعي، تاركاً سيرة عطرة، وذكرى طيبة، وروحاً نقية، وعبق أريج نرجسية، وشذا شجرة برتقال يافية، وإرثًا من القيم والمثل النبيلة.
أستاذنا ، إن العطاء في الحياة سر من أسرار الخلود، سر عرفته وعرفت كيف تجعله نهجا ونمطا لحياتك، فمهما حاول الموت، فلن يمحو ذكر من أعطى كل هذا العطاء .
فيا أيها الانسان الطيب، والمربي المخلص، ويا نبع العطاء والنهر المتدفق حباً لعملك، يعز علينا فراقك، في وقت نحتاج فيه إلى أمثالك من الرجال الأوفياء الصادقين.
ومهما كتبنا من كلمات رثاء، وسطرنا من حروف حزينة باكية، لن نوفيك حقك ،لما قدمته من علم ووقت وجهد وتفانٍ في سبيل شباب و رجال المستقبل و الغد.
علمتنا الأخلاق والقيم الفاضلة، وغرست فينا حب العلم والمعرفة، ونميت في أعماقنا قيم المحبة والخير والانتماء. .
ويا لسعادتي، وشرف كبير لي، أنني كنت واحداً من طلابك وتلاميذك..
تمتعت أستاذنا الفاضل بخصال ومزايا حميدة، جلّها الإيمان ،ودماثة الخلق ،وحسن المعشر، وطيبة القلب، متميزًا بالتواضع الذي زادك احترامًا وتقديرًا ومحبة الناس والطلاب لك ،وكل من عرفك والتقى بك.
وهل هناك ثروة يبقيها الانسان بعد موته أكثر من محبة الناس..؟!
فكنت رسول علم ومعرفة، وجدول عطاء وتضحية، ونعم المعلم والمربي، والأب الحنون والأخ الودود والصديق الصدوق. فكنت قدوة ونموذجاً يحتذى في البساطة والوداعة والرقة والعطف والحنان وعمل الخير وسمو الأخلاق وطهارة النفس والروح ونقاء القلب والعفوية والتسامح.
أعطيت كل ما لديك بلا حدود، ودون كلل أو ملل، إن مهنتك ورسالتك هي من أصعب المهن وأهم الرسالات، رسالة العلم والتربية، بكل ما تحمله في طياتها من المعاني، التي في صلبها بناء الانسان، وبناء الوطن وبناء المجتمع .
لقد غيبك الموت أستاذنا ومعلمنا الحبيب الغالي، ومربينا الوفي جسداً، لكنك ستبقى في قلوبنا ما بقينا على قيد هذه الحياة. ولن ننساك، وستظل أعمالك ومآثرك وسيرتك نبراسًا وقدوة لنا .
نم أيها المربي, نعم وألف نعم أبا محمد ,,, لقد لقيت ربك مرتاح البال والضمير، فقد أديت الأمانة ،وقمت بدورك على أحسن وجه. والرجال الصادقون أمثالك لا يموتون.
رحمك الله رحمة واسعة ، وأسكنك فسيح جناتك .إنا لله وإنا إليه راجعون .