تابعت وسائل الإعلام العالمية باهتمام كبير انضمام لاعب كرة القدم الشهير كريستيانو رونالدو إلى نادي النصر السعودي؛ إذ أفردت مساحات واسعة للحديث عن الصفقة المدوية؛ وذلك للقيمة الفنية الكبيرة التي يملكها اللاعب الفائز بجائزة الحذاء الذهبي خمس مرات، الذي تلاحقه فلاشات المصورين وعدساتهم وأسئلة الصحفيين في حله وترحاله.
لا أود الحديث هنا عن الجوانب الفنية المتعلقة بهذا اللاعب العالمي، ومدى المكاسب الرياضية التي سيحققها انضمامه للنصر السعودي؛ فذلك شأن النقاد الرياضيين وخبراء كرة القدم، لكن ما جذب انتباهي بوصفي إعلامية هو مقدار الاهتمام الذي حظيت به السعودية، والشغف الذي أبداه كثير من الغربيين لمعرفة تفاصيل الحياة السعودية، وموقع الدوري السعودي ضمن الدوريات العالمية، إلى غير ذلك من التفاصيل العديدة.
هذا الاهتمام اللافت دفع بعض الخبراء الاقتصاديين لتأكيد أن المكاسب التي حققتها السعودية تفوق قيمة المبلغ المالي الذي سيتقاضاه رونالدو خلال عامين ونصف العام.
ربما يرى البعض في هذا الحديث نوعًا من المبالغة، لكن إذا أخذنا في الحسبان أن السعودية التي تتوجه بكلياتها لحجز موقع ريادي على خارطة السياحة العالمية استطاعت عبر هذه الصفقة تنظيم ما يشبه الحملة الإعلانية العالمية؛ لأن عشرات الآلاف ممن بحثوا على موقع جوجل عن السعودية كانوا يستفسرون عن تفاصيل تتعلق بالسياحة والاقتصاد.
ويدرك العاملون في مجال الدعاية والإعلان أن تنظيم حملة دعائية مشابهة يتطلب الكثير من الجهد والوقت حتى تحقق مثل هذه النتائج، مع الأخذ في الاعتبار أنها لن تكون عفوية كما حققته السعودية بانضمام رونالدو للدوري السعودي.
كذلك فإن الاهتمام العالمي بأخبار الدوري السعودي وتفاصيله سوف يكون متواصلاً خلال الفترة المقبلة من قِبل وسائل الإعلام العالمية؛ لرغبة معجبي اللاعب في متابعته خلال أول تجربة له بعيدًا عن ملاعب أوروبا.
ونظرة سريعة للأرقام اللافتة التي أعلنتها إدارة التسويق والاستثمار بنادي النصر تعزز ما ذكرته؛ إذ أشارت إلى تخطيطها للاستفادة اقتصاديًّا من عدد متابعي اللاعب على مواقع التواصل الاجتماعي الذين يتجاوز عددهم على تويتر 100 مليون، إضافة إلى أكثر من 500 مليون متابع في إنستجرام، وأكثر من 200 مليون على فيسبوك.
كذلك بمجرد توقيع صفقة انتقال اللاعب ارتفعت القيمة السوقية لنادي النصر بنسبة 34%؛ إذ وصلت إلى 79.10 مليون يورو، حسب موقع "ترانسفير ماركت" الشهير والمختص في قيمة اللاعبين والأندية؛ وهو ما يشير إلى أن هذا النجم ليس مجرد لاعب كرة قدم، بل هو منتج تجاري مؤثر.
وبعيدًا عن الحسابات الاقتصادية فإن انضمام رونالدو إلى الدوري السعودي يندرج أيضًا ضمن ما بات يعرف باسم "الدبلوماسية الشعبية"، التي هي أبرز أدوات القوة الناعمة التي يعول عليها في تحقيق أهداف عظيمة.
ولأن الرياضة عمومًا، وكرة القدم على وجه الخصوص، تمتلك تأثيرًا بالغًا في حياة مختلف شرائح المجتمع، وباتت أخبارها تغطي على ما دونها من أخبار، فإن الآثار الإيجابية لانضمام رونالدو إلى الدوري السعودي لا يمكن تجاهلها.
الأكثر أهمية هو أننا يمكن أن نستغل هذه الفرصة كمنبر عالمي لتقديم أنفسنا بصورة صحيحة، وتعريف الآخرين بما قدمناه من إسهام حضاري وثقافي للإنسانية خلال القرون الماضية، وقدرتنا على الانفتاح والتعامل الإيجابي مع العالم أجمع.
ومما يزيد من مساحة التفاؤل أن هذه الصفقة المدوية لن تكون الأخيرة، بل هي مقدمة لصفقات مشابهة، وفق ما أعلنه وزير الرياضة الأمير عبدالعزيز بن تركي الفيصل الذي تعهد بتقديم الدعم لبقية الأندية السعودية للتوقيع مع نجوم عالميين؛ إذ يتوقع أن يتحول الدوري السعودي إلى محطة رئيسية لمشاهير كرة القدم، مثلما أصبحت السعودية قِبلة للمستثمرين من أنحاء العالم كافة.