يتناول كتاب "بني بوعلي.. تاريخهم الاجتماعي والسياسي" لأحمد بن خميس السنيدي تاريخ قبيلة بني بو علي خلال الفترة الممتدة بين العامين 1790 و1958م. ويستعرض ما سطره المؤرخون عن القبيلة، وما تناقلته الروايات الشفوية عن نسبها وأماكن انتشارها وتشكلاتها السياسية وصراعاتها السياسية في محيطها الذي عاشت فيه.
وجاء الكتاب الصادر عن الآن ناشرون وموزعون في الأردن في 258 صفحة من القطع الكبير، وحوى إضافة إلى مادته المكتوبة، مجموعة كبيرة من الصور الخاصة بالأماكن والأعلام المؤثرين في تاريخ القبيلة، وشملت الصور كذلك مجموعة كبيرة من الوثائق الرسمية والمراسلات التي تنتمي إلى الفترة نفسها
وبيَّن المؤلف أنه شرع في إنجاز هذا الكتاب استجابةً لطلب عدد من الأشخاص المهتمين بمادته التاريخية والاجتماعية، وأشار على طبيعة الجهد الذي بُذل في العمل على مجموعة الأحداث التاريخية المتشابكة التي تمس قبيلة بني بوعلي، لا سيما أن القبيلة كانت مؤثرة في محيطها، وكانت عنصرا فاعلا في الأحداث السياسية التي شهدتها مسقط خلال تلك الفترة، وما واكب ذلك من حملات عسكرية وغزوات تعرضت لها عُمان من الخارج.
واهتمَّ السنيدي بوصف المكان والتفاصيل الجغرافية في بلاد بني بو علي. يقول في مقدمة الكتاب: "من نعمة الله على هذه المنطقة أنها أرضٌ سهلةٌ، منخفضةٌ، وافرة المياه لا تعرف المَحْل والجدب، غير أن حفر الآبار فوق عيون الأفلاج قد أثر تأثيراً سلبياً على تدفق مياهها والله المستعان. ويمرّ بها وادي البطحاء الذي يبدأ من نجد وريد في إبرا فتهبط فيه أودية إبرا والقابل وبدية ووادي بني خالد والكامل والوافي وبلاد بني بوحسن من جهة الغرب والشمال والجنوب، فهو من الأودية العظيمة في عمان".
وقد كان للعوامل الجغرافية هذه أثر في زيادة مخزون المياه الجوفية، وانعكس ذلك على النشاطات الاقتصادية لأهل المنطقة؛ ما جعل بلاد بني بو علي بحسب وصف الكاتب: "لا تعرف المحل في زمن انحباس الأمطار، مما شجّع الأهالي على شقّ الأفلاج الداوودية والجوابي وتنظيم الأفلاج الغيليّة وحفر الآبار العذبة، فتوفرت المياه وزُرع النخيل، فتوفر التمر الذي كان يُعَد عماد الغذاء إلى وقتٍ قريب، فغدت بلاد بني بوعلي قبلةً للراغبين في السكن والعمل، فزاد عدد القبائل فيها وتوسعت قراها وكثرت خيراتها".
ومن المشاهد التي أظهرت السمات الزمانية والمكانية التي عاشتها القبيلة في بعض مراحلها، وصورت حياة القبيلة في مرحلة مبكرة من مراحلها:
"يتوسط هذه الدكاكين ميزانٌ كبيرٌ على شكل مستطيلٍ، وهو معلَّق بقوائم خشبيةٍ كبيرةٍ لوزن التمر والبضائع الثقيلة. تجلب إليه خيرات البحر والبر من المناطق المحيطة ببلاد بني بوعلي ويسمى «الرفعة». وهناك في الجانب الغربي ساحةٌ تباع فيها اللحوم والأسماك والتمور والحشائش. وفي وقت الصباح الباكر ينادى على القت (البرسيم) الذي يُجلَب من المزارع المحلية، أو من حصن المشائخ أومن الكامل والوافي، ثم ينادى على السمك الذي يُجلَب من بحر العرب. بعد ذلك ينادى على السمن الذي يُجلَب من البلد أو من الأودية، وهناك سلعٌ أخرى يُنادى عليها كالتمر والأغنام. تتكرر هذه العملية بعد العصر مع مناداة القت وغيره من الحشائش، والسمك وبعض الخضروات التي تزرع محلياً؛ كلٌّ في موسمه. وفي السوق أماكنُ مخصصةٌ لصنع الحلوى ونسج النسيج، وأماكن مخصصةٌ للحدادة، ومحلاتٌ لصناعة البارود وإصلاح الأسلحة، إلى غير ذلك مما يحتاجه الناس. ولا يزال السوق موجوداً يشكو الهجران، ويتوق إلى الترميم مع بقية آثار البلد. أمّا محلات صياغة الذهب والفضة فكانت في خارج السور الشرقي في حارة البلوش".
وقد ارتبط الإطار الزمني للكتاب بأحداث مفصلية في تاريخ القبيلة، ففي العام 1790 كانت بدايةُ ائتلاف بني بوعلي واجتماعهم على زعيمٍ قبليٍّ واحدٍ قاموا بمُبايعته بعد أن كانوا قبائل مُتفرقة مُتنافسة على الأرض والزعامة، أما العام 1958 فهو العام الذي توفي فيه آخر الزعماء المبايعين من أسرة آل حمودة، قبل أن تتغير آلية الزعامة وتتعدد شخصياتها.
وشمل الكتاب إضافة إلى المقدمة مجموعة من الفصول التي عالجت جوانب متعددة ذات صلة بالقبيلة من بينها: نَسَب قبيلة بني بوعلي، بطون القبيلة، الموطن وأماكن الانتشار، استقرار القبيلة ونشأة أحيائها السكنية، نشأة إمارة بني بوعلي واجتماعها على زعيمٍ واحد، الحملات البريطانية العسكرية على بني بوعلي، العلماء والقضاة في بلاد بني بوعلي، نظام الحسبة والوقف الشرعي عند بني بوعلي..
ومن الجدير ذكره أن أحمد بن خميس السنيدي كاتب من سلطنة عُمان.