كان الشيخ كليب اليوسف الشريدة وراء تشكيل حكومة محلية في ناحية الكورة في ۱۹۲۰/۹/۱٥م، عرفت باسم حكومة دير يوسف وهي بلدة تقع في وسط ما بين ناحية الكورة وناحية بني عبيد ، وكان كليب الشريدة رئيساً للمجلس الذي شكلته حكومة الكورة.
وعندما تأسست الحكومة المركزية بعد استقرار الأمير عبد الله في عمان، كان من بين التنظيمات الإدارية التي اتخذتها الحكومة المركزية إلحاق منطقة الكورة إدارياً بالحاكم الإداري في إربد ، ولكن زعيم الكورة الشيخ كليب الشريدة صعب عليه أن يكون تابعاً لإربد لما كان لناحية الكورة وزعامتها من تأثير في المنطقة.
وطلب من الأمير عبد الله أن تكون ناحية الكورة مرتبطة مباشرة بالحكومة المركزية في عمان، وعندما لم يستجب طلب الشيخ كليب الشريدة توترت العلاقة بينه وبين حكومة الأمير لدرجة وقوع صدامات مسلحة على مستويات مختلفة بين القوات النظامية للإمارة وبين المسلحين من رجال الشيخ كليب اليوسف الشريدة، ولم تلبث الأمور أن تطورت وتفاقمت حين ، قاد الشيخ كليب الشريدة الثورة.
وأصبح الشيخ كليب وابنه الشيخ عبد الله مطاردين رسمياً من الحكومة المركزية، وسيرت الحكومة قوة عسكرية بقيادة الضابط فؤاد سليم للقبض عليهما بأمر صادر عن حاكم عجلون آنذاك أمين التميمي، ولم تهدأ الأمور إلا عندما زار الأمير عبدالله قرية سوف حين ورد عليه الشيخ كليب الشريدة في بادرة حسن نية قابلها الأمير بإصدار عفو عام عن كليب الشريدة وجميع الثائرين على الحكومة المركزية من اهل الكورة.
ولكن العلاقة بين الحكومة المركزية وبين الشيخ كليب الشريدة عادت إلى التوتر الذي انتهى إلى الانفجار، على شكل مصادمات عسكرية بعد أن بدأت الحكومة المركزية برئاسة علي رضا الركابي تتعمد مضايقة الشيخ كليب الشريدة وأنصاره من أهالي الكورة وربما كان هدف الرئيس الركابي من هذه المضايقات استفزاز الشيخ الشريدة لاستدراجه إلى مواجهة عسكرية يعيد بها الركابي الهيبة إلى الحكومة المركزية بعد أن تراخت هيبتها على اثر ثورة أو عصيان أو تمرد الكورة الأول بزعامة الشيخ كليب الشريدة، وقد بلغ من اهتمام رئيس الحكومة الركابي بزعزعة مكانة الشيخ كليب الشريدة وإضعافها أنه انتقل من العاصمة عمان إلى إربد ليشرف بنفسه على الحملة العسكرية ضد الشيخ الشريدة وأنصاره، والتي انتهت بلجوء الشيخ كليب الشريدة وابنه الشيخ عبد الله وابن أخيه رشيد الجروان إلى مضارب الشيخ حديثة الخريشة من زعماء عشائر بني صخر الذي كان يتخذ من الموقر مقراً لعشيرته ".
منذ 11 أيار ۱۹۲۱ حتى تموز ،۱۹۲۲ ، كان وقوع حادثة ناحية الكورة وزعيمها كليب الشريدة، وتعود جذورها لمشادة كلامية بين ضابط صف درك، وأحد القرويين في الكورة على إثر جمع الضرائب مما أدى إلى مقتل ضابط الصف، وعلى أثرها طلب وزير الداخلية كليب الشريدة، فرفض ، واعتبرت بذلك الكورة في حالة تمرد وعصيان فأرسلت إليها الحكومة قوة عسكرية لإخضاعها ، حتى انهارت معنويات المتمردين، وفرار الشيخ كليب ولجوئه للشيخ حديثه الخريشة في تموز / ۱۹۲۲ ، وتمكنت الحكومة على أثرها من فرض سيطرتها على الكورة ، ومعاقبة المتمردين، والحكم على زعيم الحركة بالإعدام، لكن صدر عفو الأمير عبد الله عنه وعن كل العصاة في ١٩٢٣/٥/٢٥و كان ذلك بمناسبة اعتراف بريطانيا باستقلال الإمارة الأردنية .
وفي بداية آذار ۱۹۲۲ زحف بيك على إربد بالقوة الاحتياطية، واستقر في قلب المدينة وفي يوم ١ حزيران حضر ديدز من القدس وبحث مع الركابي في شأن الحالات التي يمكن فيها استخدام قوة سلاح الجو الملكي البريطاني، ومدرعاتها الأربع في عملية عجلون. كان الركابي يريد إخضاع الشيخ كليب الشريدة وائتلافه العشائري حيث كان مصراً على عدم دفع غرامة فرضت عليه نتيجة لحادث الكورة، كما رفض أن يستجيب لطلب المتصرف بمراجعته. وقد ألح الركابي على أن يعالج (المتمردون) في عجلون منذ البداية من قبل جميع القوة الاحتياطية. ووافق على قيام سلاح الجو الملكي البريطاني بقصف أهداف معينة كما تحددها الحكومة الأردنية .
كان لا بد للحكومة من إنهاء الحالة الشاذة في الكورة، بعد أن رفض أهلها دفع الغرامة التي فرضت عليهم بعد الحوادث الأولى، وبعد أن رفض كليب الشريدة الطلبات المتكررة من المسؤولين بضرورة حضوره إلى إربد أو عمان، إذ كان يخشى أن تقبض عليه الحكومة وتحاكمه وتحمله مسؤولية كل ما حدث في الكورة. والحقيقه أن فشل الحملة الأولى جعل من كليب الشريدة بطلا في نظر أهل الناحية، وكادت روح التمرد التي نشرها في ناحيته تمتد إلى نواحي لواء عجلون كلها. وكان من الواضح أن استمرار هذه الحالة الشاذة معناه عجز الحكومة عن السيطرة على جزء من البلاد وفقدانها احترام الناس في المناطق الأخرى لصولتها وسمعتها وهيبتها.
لم يكن هناك إذن مفر من إخضاع هذه الناحية، وجلب زعماء التمرد فيها للمثول بين يدي القانون، خصوصاً بعد أن توفرت للحكومة القوة العسكرية الكافية، ولذلك زحفت القوة السياره في منتصف آيار -۱۹۲۲ وكانت في الكرك - بسير جبري لمدة أربعين ساعة، فمرت بعمان حيث التحقت بها المفارز الباقية فيها، ومن عمان تحركت القوة إلى إربد وتمركزت فيها ، وتم اعتقال الشيخ فواز البركات وولده ناصر من الرمثا والحاج سالم الإبراهيم من ايدون والسيد عقله المحمد نصير من الحصن للاشتباه بأنهم يشجعون الشريدة على العصيان ويؤازرونهم، وعندما تحركت القوة إلى الكورة ساقتهم معها لكي تتفادى اية حركات معادية أثناء اشتباك قواتها مع المتمردين كانت القوة بقيادة الزعيم بيك بك وهي مؤلفة من خيالة ومشاة ومعها مدفعان جبليان ورشاشان، وانضمت إليها هناك سيارتان مصفحتان لتقوية الروح المعنوية حيث كان كثير من الناس يتوقعون لهذه الحملة الفشل كالحملة السابقة.
وكان القائد فؤاد سليم رئيساً لأركان حرب القوة، وجاء علي رضا باشا الركابي إلى إربد لكي يشرف على العمليات العسكرية بصفته نائبا للقائد العام الذي هو سمو الأمير 11 وذهب الركابي إلى إربد في نهاية شهر حزيران، وأرسل إنذاراً أخيراً إلى الشيخ كليب الشريدة لإثبات وجوده في إربد ، ولكن الشيخ رفض ذلك. وكان بيك قد تقدم بالقوة الاحتياطية إلى مواقع قرب قرية تبنة بانتظار أوامر الركابي.
كان الشيخ كليب قادراً على التصدي للقوة الاحتياطية، لأنه يستطيع حشد العشائر المسلحة بأعداد مماثلة للقوة الاحتياطية إن لم تزد عنها. وكان الفرار من القوة الاحتياطية خلال شهر من الانتظار مصدر قلق لبيك والركابي، مما أدى إلى الاعتقاد بأن القوة الاحتياطية وحدها ليست قادرة على حسم الموقف.
وفي يوم ٥ تموز طلب الركابي من سلاح الجو الملكي البريطاني قصف قرى تبنة، عنبة كفر الما، رحابا، وظبية، وذهب فيلبي وقائد الطيران جوردن إلى إربد وبحثا الأمر مع الركابي، وأدرك الجميع أن عودة القوة الاحتياطية بعد الإنذار النهائي الذي وجهه الركابي إلى الشيخ كليب سيؤدي إلى ضربة كبيرة لمكانة الحكومة ونفوذها.
ووافق فيلبي على القصف. وقبل وافقت عنبة وكفر الما على الاستسلام. وألقت طائرات سلاح الجو الملكي البريطاني عدداً قليلاً من القنابل على تبنة، حيث يسكن الشيخ كليب، ودمر منزل كليب تدميرا جزئيا، وهكذا وبعد قليل استسلمت القرى. وقد قتل من جراء القصف أربعة رجال وجرح عدد آخر ".
بعد فشل الهجوم الأول بقيادة فؤاد سليم على الكورة فإن (بيك) أخذ يعد العدة، وبنفس طويل لقمع العصيان وباستخدام الخدعة والتمويه والمعلومات المضللة إذ كان يمر على التجار لشراء علف الدواب موحيا بأنه سوف يسلك هذا الطريق ولا ، ناهيك عن استخدام الطيران والمدفعية.
يسلكه : يقول (عبد الله كليب الشريدة) لقد فتح ( بيك) جبهة شمال قرية سموع واستخدم المدفعية لقصف تبنة معقل كليب الشريدة، وكان بإمكانهم مقاومة القوة الجديدة بقيادة (بيك) لكنهم آثروا حقن الدماء حتى لا تقع خسائر كبيرة جداً، دخل الجيش الكورة فخرج الثائرون وذهب كليب الشريدة ومجموعة إلى الشيخ حديثة الخريشة الذي دار حديث عتاب بينه وبين كليب ليس على موضوع العصيان وإنما عتاب على تكتلات قديمة ذكر فيها الشيخ حديثة الشيخ كليب من موقفه من جماعة الصخور في وقت سابق ورد عليه الشيخ كليب بما أقنعه على أية حال بقيت جماعة الشيخ الشريدة عند الشيخ حديثة الذي ذهب للوساطة عند المغفور له الأمير عبد الله بن الحسين.
ذهب كليب الشريدة إلى الأمير عبد الله بن الحسين ومعه اثنان من جماعته في حين بقي خمسون شخصاً في ضيافة الشيخ حديثة الخريشة، كان الجميع بانتظار عودة الركابي (رئيس الوزراء) من القدس على أية حال دخلت قوات الجيش إلى الكورة وكان لا بد من تصريح لعودة الخيالة من الرجال الذين بقوا في بيت الشيخ حديثة " وللعلم فإن الكورة لم تقاوم في المرة الثانية وجنحت للسلم وكانت القوات العسكرية قد دخلت القرى المتمردة، وبقي الجنود في تلك القرى فترة من الزمن لاعتقال كل من تقع عليه الشبهة ولتثبيت اقدام الحكومة.
وقد فرضت غرامات مالية على القرى التي اشتركت في التمرد وقررت الحكومة كذلك فصل خمس قرى عن ناحية الكورة وربطها بقضاء عجلون كما قامت قوات الجيش بتجريد ناحية الكورة من السلاح، وطاردت جميع الذين شاركوا بالثورة ولم يسلموا انفسهم.
وكانت جماعة الثائرين لا يقل عددهم عن أربعين شخصا، قد فروا إلى سوريا وأقاموا هناك حتى صدور العفو العام فعادوا إلى منازلهم وأعمالهم وغنم بيك مهباش القهوة من بيت الشيخ كليب وكأنه في غزوة بدوية، وكان يباهي به أحيانا أمام زواره في بيته في عمان. لم يكن بيك لاعب كركيت بدويا أصلا في عمليته المشيئة له، والمعيبة للركابي وفيلبي، لأن المهباش كان ولا يزال رمزا عربيا للكرم العربي يأبي الغزاة البدو اعتباره غنيمة. وعلى أية حال أعاد بيك المهباش صاغراً إلى الشيخ كليب بعد أن أمره عبد الله بذلك. لقد كان تصرف بيك مخالفا لنظام الخدمة العسكرية البريطانية، ولو كان بخدم في وحدة بريطانية، خاصة كتيبة الدوق ولنجتون لحوكم امام مجلس عسكري لنهبه (Y) المهباش من بيت مدني.
وعلى أثر انتهاء حوادث الكورة أصدر سمو الأمير أمره بترقية الزعيم بيك بك إلى رتبة أمير لواء وأصبح بلقب باشا .
وأمانة للبحث هنالك رواية مختلفة بعض الشيء بخصوص ما يسمى بثورة الكورة وأحياناً بعصيان أو تمرد أو تأديب الكورة كما أوردها المؤرخ الأردني سليمان موسى..
بعد إقامة الأمير عبد الله واستقراره في مدينة عمان، كان أمامه إرساء دعائم الدولة وإحداث الإدارة وتكوين الجيش وتحصيل الضرائب وبناء البنية التحتية للخدمات العامة والضرورية للحياة وية شهر نيسان أرسلت مجموعة من الدرك إلى منطقة إربد وعجلون والكورة من أجل جمع الضرائب وتعدد الأغنام وجمع الموظفون الأموال من قرى الكورة وقد ذهب رجال الدرك إلى قرية تبنة وقد حصل خلاف هناك بين فرد من عشيرة الشقيرات والمسؤول عن المفرزة السيد حمادة سليمان. وقد أطلق الشقيري رصاصة باتجاه السيد حماده فأرداه قتيلا ، وكان ذلك نتيجة خلاف من أجل أخذ بندقية الشقيري وقد عاد الجنديان إلى قرية تبنة وأخبرا قائد المفرزة بذلك الحادث، وهناك جرى اشتباك مسلح بين عشيرة الشقيرات والمفرزة.
وقد أسرع السيد نجيب الشريدة وتدخل في ذلك الحادث، وأقنع قائد المفرزة بضرورة العودة إلى إربد قبل أن تتسع هذه العملية مع أهالي القرى المجاورة. وقد أخذ نجيب الشريدة مائة وسبعين رأساً من الغنم من عشيرة الشقيرات دية إلى حمادة سليمان الذي قتله أحد أفراد العشيرة. وبعد هذا الحادث استدعت الحكومة الشيخ كليب الشريدة من أجل المجيء إلى منطقة إربد، وقد اعتبرت الدولة هذا عصياناً ورفضاً لقرار الحكومة، وقد استعد أهالي الكورة إلى صد أي هجوم محتمل بقوة السلاح، حيث إن عشائر الكورة كانت مدججة بالسلاح، ومصدر هذا السلاح الغنائم التي حصلوا عليها من القوات العثمانية إثر انسحابها ، وكذلك هناك مصدر رئيسي أن فرنسا قامت بتسليح كليب الشريدة وأعوانه ضد الأمير عبد الله والحكومة الهاشمية. وبعد هذا أرسلت الحكومة قوة عسكرية إلى الكورة مهمتها إجراء تحقيق، والقبض على الجاني ولكن حدثت مقاومة وثورة. عند ذلك تحولت القوة من التحقيق والقبض على الجاني إلى قوة تأديبية ضد أهالى الكورة كافة. وقد أرسلت القوة الجديدة بقيادة فؤاد سليم، وكانت عبارة عن سرية من الفرسان السيارة عشرين فارساً جندوا حديثاً .
كانت هذه القوة غير كافية ولا تستطيع فعل شيء لولا انقسام أبناء عشيرة الشريدة و الزعماء على الشيخ كليب. وقد كانت مهمة هذه القوة - التي يزيد عدد وبعض أفرادها على مائة وعشرين رجلاً - ما يلي:
١_ القبض على إخوة القاتل من عشيرة الشقيرات.
-٢- القبض على الشيخ كليب وابنه عبد الله وابن أخيه رشيد الجروان.
توجهت القوة التي يقودها فؤاد سليم إلى منازل عشيرة الشقيرات، وقد انقسمت القوة إلى قسمين، وتوجه قسم من القوة إلى المنازل. ولكن عشيرة الشقيرات بدات بإطلاق النار فردت القوة على إطلاق النار بالمثل مما أدى إلى قتل اثنين من قوة الحكومة وثلاثة من عشيرة الشقيرات، وتم أسر عدد من عشيرة الشقيرات، وبعدها شاهد أفراد القوة أن الرصاص يأتيهم من كل صوب، فقد أطلق أهالي رحابا وزوبيا وتبنة وعنبة الرصاص على القوة وكذلك فقد شارك أهالي دير أبيس سعيد وكفر الما وكفر كيفا وزمال والسموع وجنين الصفا ومرحبا في إطلاق النار، وكان هذا الهجوم العنيف بقيادة كليب الشريدة وابنه عبد الله. هذه القوة لم تكن تملك السلاح الرشاش والأعتدة الكافية، فقد كان معهم رشاش واحد وكان مع كل جندي ۱۵۰ طلقة، مما جعل القائد ينسحب باتجاه قرية المزار. ولكن أهالي القرى الثائرة بدأوا يلاحقون قوات الحكومة مستفيدين من وعورة الأرض والغابات، وكانت القوات الحكومية تصد المهاجمين الذين ازدادوا عددا بانضمام أهالي قرى أخرى إليهم .
وقد تم تضيق الخناق على قوات الحكومة، وقد كثر القتلى والجرحى بين قوات الحكومة وأهل القرى الثائرة وأثر هذا الزخم العالي من الرصاص والحجارة فقد أصيب القائد فؤاد سليم في فخده، فأشيع أنه قتل وبعدها استولى الخوف على قلوب الجنود، فعمد الجنود إلى تسليم أسلحتهم بعد أن فرغت من العتاد، ولم ييق أمام القائد وجنوده إلا أن يسلموا عمل الثوار على سلب السلاح والمال والملابس البعض | الجنود، وكاد أحد الثوار أن يقتل القائد فؤاد سليم لولا أحد رجال قرية زوبيا، ويعرف - صالح الحمود.
وقد عاد أهالي القرى إلى منازلهم ومعهم بعض الأسرى، وكانت النتيجة هي مقتل خمسة عشر جنديا واثنين من أهل القرى عدا الجرحى من الطرفين. وقد عملت الحكومة بما حدث وأصدرت الأوامر إلى الشيخ كليب الشريدة بإطلاق سراح الأسرى، وقد أذعن وسلم الأسرى ولكن الحكومة طلبت من الشيخ كليب تسليم المتهمين بالعصيان، ولكنه رفض هذا الأمر. بعد ذلك عملت الدولة على مراجعة حساباتها، ومعالجة المواقف بالحكمة والروية، وقد استطاع سمو الأمير عبد الله بحكمته ونفوذه الأدبي والمعنوي على حل المشكلة دون أن يستعين بقوة بريطانيا. وقد أراد سمو الأمير حل المشكلة عن طريق دفع الدية وإعادة المسلوبات والتجهيزات العسكرية، ولكن أهالي الكورة رفضوا ذلك سوى إعادة الخيل وبعض السلاح. وقد أصدر عن كليب الشريدة أثناء زيارة سموه إلى قرية سوف، وجمع الثائرين، وبهذا العفو فقد على تهدئة النفوس وتطييب الخواطر. وقد كان الوضع غير سمو الأمير عبد الله العفو العام عمل سمو الله الأمير عبد مستتب في الكورة مما دفع الحكومة إلى شن حملة عسكرية فضربت الثائرين، وقضت على الكثير منهم، وخضع الأهالي لسلطة الحكومة خضوعاً تاماً .
ويقول عبد الله بن كليب الشريدة من خلال الحوار التالي "
قلت: حادثة الكورة أو ثورة الكورة معروفة والأمير عبد الله يقول في كتابه الأئمة من قريش إن الحادث كان بسبب غلطة إدارية لأحد الموظفين، وبعض المصادر تقول إن السلطات الفرنسية كانت وراء هذا الحادث.. فماذا تقول؟
قال: هذا حديث مطول سأسرده عليك بالتفصيل أولاً لو كان الفرنسيون وراء الحادث لما سلمنا أنفسنا للأمير عبد الله بل كنا لجأنا للسلطات الفرنسية لحمايتنا.
قلت : ولكن عدداً من أبناء عشيرتك لجأوا إلى الفرنسيين في سوريا مع أغنامهم بعد الحوادث.
قال: هذا صحيح .. لقد نهبت دورنا وأرزاقنا، وكان لا بد للرعاة أن يفروا بأغنامهم لم يكن بالإمكان الهروب إلى فلسطين فالإنجليز هناك وسيسلمونهم إلى الحكومة في شرقي الأردن لم يكن أمامهم إلا الفرنسيون لأنهم يعرفون أنهم أعداء الأمير عبد الله وسيضمنون أن لا يسلموهم.
قلت: لنعد إلى حوادث الكورة من هو الإداري صاحب الغلطة الذي عناه الأمير عبد الله بقوله .
قال: إنه المتصرف نبيه العظمة الذي حل محل علي خلقي الشرايري في منصب المتصرف في إربد . وقد أمر هذا المتصرف بجمع الأوراق الخاصة بحكومة المزار ولم نمانع في ذلك، ثم قام الجباة بالطواف على أصحاب المواشي لتعداد الأغنام وتقاضي الضرائب.
كان أحد الجنود يرافق الجابي في قرية ( ارحابا) وكان هذا الجندي سيء الخلق والتصرف فقتله أحد الرعاة ورحل الراعي مع قومه إلى منطقة تدعى (الفروخية) قرب قرية (تبنة)، ولم يعالج المتصرف هذا الأمر بحكمة بل اتصل بقائد الجيش آنذاك واسمه فؤاد سليم، فجاء فؤاد هذا على رأس قوة من الجيش وباغت الناس ليلاً وقبض على عدد من الرعاة وربطهم بحبل وأطلقت عليهم النار فقُتل . عدد منهم، وحين رأى الآخرون ما حل بزملائهم هبوا للدفاع عن أنفسهم وتداعت القرى المجاورة مثل زوبيا وارحابا فقتل ثمانية عشر فرداً من العسكريين المهاجمين، وأصيب عدد آخر وكان من جملة المصابين فؤاد سليم نفسه.
قلت : وما مسؤوليك أنت ووالدك في هذه الحادثة؟
لم نكن موجودين بل كنا في قرية كفر راكب حين جاءنا المنادي في اليوم التالي يخبرنا بما جرى .
وجئنا مسرعين وفي قرية زوبيا، وجدت فؤاد سليم مصابا في بيت أحد المواطنين واسمه صالح المحمود. وقد لمت فؤاد على تصرفه وانتبه، إذ كان عليه أن يبعث لوالدي ويستشيره، ويطلب منه تسليم القاتل بالحسنى فكان ما قاله (إن) ما جرى قد جرى انتهت هذه الجولة من حوادث الكورة وطلب الأمير عبد الله والدي وأنا للمثول بين يديه في بلدة سوف حيث كان في ضيافة المرحرم علي باشا الكايد، وهناك فرض على الكورة أن تدفع خمسة آلاف ليرة كدية للقتلى الذين سقطوا من العسكريين.
قلت: سمعتك تقول الجولة الأولى من حوادث الكورة هل كان هناك جولة ثانية؟ .
قال: نعم الجولة الأولى كان سببها سوء تصرف المتصرف نبيه العظمة أما الجولة الثانية فكان سببها سوء تصرف علي رضا الركابي رئيس الوزراء آنذاك. قلت: كيف؟.
قال: طلب الركابي من والدي المجيء إلى إربد لأنهاء ذيول الحادث الأول، فرفض والدي لأنه لم يكن آمنا على نفسه لو جاء إلى إربد، فاتفق مع الركابي على أن يكون اللقاء في قرية (زمال) لينام فيها وينطلق في الصباح إلى دير يوسف. لكن الركابي لم يأت بل بعث بمجموعة من الجيش إلى قرية ( جنين الصفا ) وبدأ بقصف قرية تبنة وتجمع الأهالي وبدأ القتال بين الفريقين. كنت في هذه الأثناء في قرية (كفر الما) فجئت في الصباح وكان لا بد أن أشارك في هذه المعركة واستمر القتال إلى ما بعد الغروب وهنا استأذنت والدي بالكلام وقلت: لماذا نقاتل الجيش؟.
لنفرض أننا هزمناه هل سنحكم أرجاء شرقي الأردن كلها؟ والجواب لا ولكن الإنجليز هم الذين سيحكمون، ولذلك من رأيي أن نسلم أنفسنا للأمير عبد الله لننفي أية جهة أجنبية وخاصة فرنسا وافقوا على قولي، وعاد عن أنفسنا تهمة التعامل مع كل إلى قريته، وبقيت مع والدي مع ستين خيالا اتجهنا إلى عمان ونزلنا في بيت حديثة الخريشة وكان ينزل في بيت شعر في جبل عمان الحالي.
قلت: ولماذا حديثة الخريشة بالذات؟ الله
قال: كان حديثة من شيوخ الأردن البارزين، وكان على علاقة جيدة بالأمير عبد ا حيث كان يحترمه ويجله وكانت بيننا وبينه علاقة خاصة نسميها ( بنعمه ) وهي لفظة
مأخوذة من بني عم اي نوع من التحالف والصداقة.
وكان حديثة قبل اندلاع الثورة العربية الكبرى يستقبل أحرار سوريا وعلى رأسهم . نسيب البكري ومن هناك يوصلهم إلى الحجاز للقاء الشريف حسين.
قلت: لجأتم إلى حديثه، فماذا بعد ؟
قال: ذهب حديثة إلى الأمير عبد الله وقال له : إن الشريدة موجودون عندي ثم رجاه أن يترفق بنا. لم يكن رضا الركابي موجودا في عمان أنذاك، بل كان في القدس فطلب الأمير عبد الله من حديثة تسليم والدي إلى السجن إلى حين عودة الركابي فجاء عدد من الجنود وأخذوا والدي وابن عمي رشيد الجروان وشلاش الشريدة للسجن، أما البقية فطلب إلي أن أكتب بأسمائهم كشفاً وأرفعه لسمو الأمير لكي يعطينا على أساس تصريحاً بألا يعارضنا أحد من المسؤولين الحكوميين في الكورة، وحين قرأ الأمير الأسماء وجد اسمي بينها قال : ( عبد الله يجب أن يبقى ليسلي والده في السجن) وهكذا دخلت السجن في عمان. وحينما عاد الركابي من القدس نقلنا إلى إربد وشكل لنا مجلساً عُرفياً لمحاكمتنا على الحوادث الأولى والثانية (سألته العرفي فلم يذكر منهم أحداً وكان أن حكم والدي بالإعدام وحكم رشيد الجروان بالسجن خمسة عشر عاماً وحكمت أنا عشر سنين. عن أعضاء المجلس.
قلت: هل نفذت هذه الأحكام؟ .
قال: نقلنا إلى سجن السلط حيث كان عودة أبو تايه مسجونا هناك، وقبل مجيئنا بقليل استطاع أهالي السلط تهريب عودة من سجنه ، ولذلك كانت الرقابة علينا مشددة خوفاً من أن يقوم السلطيون بتهريبنا كذلك لم ينفذ حكم الإعدام في والدي، إذ لم يصدقه الأمير عبد الله مكتنا في السجن سنة كاملة وكان شيوخ الأردن في هذه الأثناء يراجعون الأمير للإفراج عنا ومن هؤلاء الشيوخ: سلطان العدوان ومثقال الفايز وحديثة الخريشة ورفيفان المجالي وغيرهم كثيرون.
وفي عام ۱۹۲۳ أعلن استقلال الأردن وهو بالطبع استقلال شكلي، وذات يوم زارنا في السجن المستر (فيلبي) المعتمد البريطاني وقال بأنه سيعمل أقصى ما لديه عند الأمير لإطلاق سراحنا وأعتقد أنه كان يعلم أن الأمير سيطلق سراحنا بمناسبة إعلان الاستقلال فجاء لكي نقول أنه هو الذي أخرجنا من السجن ويكسب موقفاً عندنا .