بقلم:العميد المتقاعد الدكتور حسين أبوزيـــــــــــــــــــــــــد.
( الشيخ منور أحمد عبدا لله أبو زيد & الشيخ محمد حمد عبدا لهادي ألمحارمه )
( رحمهما الله )
ألدهر يومـــــــان ذا أمن وذا خطـــر *** والعيش عيشان ذا صفو وذا كدر
أما ترى البحر تعلو فوقـــــــه جيف *** وتستقر بأقصى قـــاعه الـــــــدرر
وفي السماء نجوم لاعداد لــــــــــهـا *** وليس يكسف إلا الشمس والقـــمر
نعــــــم
فالكثير من الكنوز .... والكثير من الأشياء الثمينة.... قد لاتجدها فوق الأرض .... بل
تلقاها مدفونة تحت التراب.
أخواني:
ليس من السهل أن تكتب عن أشخاص مثل هذان الشخصان .... فإذا ما رجعت بذاكرتك وعاد إليك شريط الحياة المسند إليك من هذا وذاك , تقف حقيقة حائرا أمام أشخاص عبق تاريخ مدينة سحاب بهم وبذكرهم , فمهما انشغلنا عن ذكرهم هذا , فلا بد أن يبقوا حاضرين بيننا بأساليب مختلفة , وبدروس مختلفة , هؤلاء الأشخاص الذين عرفوا التراجع , ولكنهم لا يجيدون الهزيمة , وعرفوا أن قيمة الإنسان هي السبب في النجاح , حيث كانوا أشخاص يأخذون قراراتهم بسرعة ولكنهم كانوا يغيرونها ببطء. كانوا كالحقول ....بها ترتوي أفكارهم .... وحصدوا السمعة والمحبة بين الناس .هم مدارس في الحياة .... فواجهوا امتحاناتهم بنجاح باهر.... حيث كانوا كالشجرة المثمرة , والتي يهاجمها الناس في بعض الأحيان وقد يحصلوا على ضربات قوية تهشمهم في أحيان أخرى .... ولكن هذه الضربات صنعتهم كالحديد , فعرفوا انه لا طموحات من غير معاناة .... وأن الشهب تحترق لتغير العصور.
أخواني:
لقد عز على الجميع ساعة الغروب والفراق .... حيث أحمرت خدود الشمس خجلا لسفر هؤلاء الشيوخ .... اللذان تركا فراغا واضحا.... ولكن لا بأس فالشمس لو غابت كل يوم فلا بد لها أن تشرق كل يوم وبأنوار جديدة. أولئك الأشخاص الذين علقوا بصرهم بالغيوم .... ولكنهم وفي نفس الوقت تركوا أقدامهم على الأرض .... مقتنعين في ما بينهم على أن يكون لك ند شجاع خير بألف مرة من أن يكون لك صديق جبان , فبعدهم ازداد عدد الملاحين .... لذلك نخشى على السفينة من الغرق.
أخواني:
جميعنا يعرف أنهم أكبر المخططين في مدينة سحاب .... حيث كان عندهم حدس وحس قوي
متلازما مع ذكاء خارق..... يواجهون إدراكاتهم ألعقليه على النحو السليم .... حتى استطاعوا التحكم بانفعالاتهم إلى ابعد مستوى
أخواني :
لقد مرت على هذين الشيخين رحمهما الله ظروف من المد والجزر , وكان بينهما تنافس قوي شريف .... فلا بأس بذلك فهذه هي سنة الحياة.... ولكن وبنفس الوقت كان بينهما الاحترام الكبير .... فكل واحد بهم يعرف أن نده ليس سهلا .... وانه على قدر من الذكاء والحنكة.... فلذلك كان يكن له كل الاحترام . ولأن تنافسهم ما كان ليبعدهم عن بعض عندما كان الأمر يتعلق بمدينة سحاب.... فكان وقتها إذا حضر احدهم تكلم بإسم الآخر. كان كل منهما يقدم الآخر على نفسه، وبطريقه راقية لا تخلو من المداعبة.... مداعبة المحترفين.
أخواني :
فالشيخ منور ابوزيد (أبو طايل )هو من شيوخ الأردن وهو غني عن التعريف .... كان هادئا جدا, وقليل الكلام ....ولكن وفي نفس الوقت كان في صمته تفكير وتخطيط , فحقيقة الأمر أنه كان يتكلم بإسم جميع أهالي سحاب. ولد أبو طايل سنة 1930 وتوفي في 26 رمضان 2009 , وله من الأولاد 12, ومن البنات 7 , ومن الزوجات ثلاثة , وكان له شرف الخدمة (الفرسان) ما يقارب 14 سنة , وترأس بلدية سحاب لمدة ثلاثة دورات أي ما يقارب 12 سنة .
أما بالنسبة للشيخ محمد حمد عبدا لهادي ألمحارمه (أبو جهاد) , فكان رحمه الله من مواليد1927 وتوفي عام 2006 , وله من الأولاد أثنين , ومن البنات أربعه , ومن الزوجات اثنتان ,وكان رحمه الله قد ترأس بلدية سحاب لمدة أربع دورات .
توفيا رحمهما الله وهما بنفس العمر تقريبا (79سنة ) , تاركين الدنيا لأهلها .... بعد أن كانوا مدارس لمن بعدهم بالرجولة والكرم واحترام الآخرين .
أخواني:
إن لكل واحد من هؤلاء الشيوخ قصص جميلة ، يعرفها الكثيرين في هذه المدينة والتي تؤكد على أنه .... إذا أردت أن تكون شيخا" ، فحاول أن لا تشتري عباءتك من مالك أنت .... بل أنتظر حتى يلبسك إياها من هم حولك. فلا بد أن تقول في النهاية أنهم فقط أصحاب النفوس الدنيئة هم اللذين يجدون اللذة في التفتيش عن أخطاء العظماء، فنطلب أن نسير على دربهم سير السلحفاء ، خير من أن نكون كالغزلان في الطريق الخطأ .
أخواني :
ما فائدة الأقلام التي لا تمدح الكبار، وكيف يسيل الحبر في غير موقعه ؟
وإن شاء الله سيكون لشباب هذا البلد دور أكبر وأفضل من دورهم ، فكما يقول الشاعر :
كم ليلة من هموم الدهر مظلمة *** قد ضاء من بعدها صبح من الفرج
ونحن نقول لأبنائهم أننا نعرف أن وردة" واحدة" تكون أفضل بكثير لإنسان على قيد الحياة، من باقة ورد نلقيها على قبره .... فلكم مني ألف وردة ، وعزائنا هو وجودكم بيننا ، فنحن الأهل والأحبة الذين ينيرون شموع مدينتنا سحاب بالخير والمحبة إن شاء الله ، لتكن دائما" كما هم أهلها .... بلد عز وكرم وثقافة ومساجد .
أخواني :
كان الفقيدان يشهد لهما بالمواقف الجريئة والشجاعة .... وكانوا كبقية أهل هذه المدينة ، أهل كرم وجود .... فكانت بيوتهم عامرة كل الوقت، وأبوابها مشرعة من صباحها إلى مسائها.... ورائحة القهوة والهيل تفوح على أبوابها .... كما تفوح على باب هذه المدينة العزيزة الطاهرة . كانوا أصحاب بديهة في حل المشاكل بين الناس ما سهل منها وما صعب، يأوي إليهم المحتاج .... والسائل .... والدخيل.
صارعا المرض رحمهما الله لفترات ليست بقصيرة.... وحتى في أشد أوقات المرض لم تبتعد الابتسامة ولا الفكاهة كثيرا عنهما , فكانت حتى جنازة كل واحد منهم هي اجتماع لكل البلد صغارا" وكبارا" , بل ولمعظم وجهاء المملكة ,وكان يمتلكك إحساس حقيقي أنك فقدت شخصا عظيما .
أخواني :
لقد احتضنت سحاب شيوخا وشخصيات كثيرة , بل وكثيرة جدا , أسسوا بناءا" قويا" لهذه المدينة, فعرفت هذه المدينة في وقتهم المجد , وكان أهل هذه المدينة من أنشط أبناء المملكة , حيث استطاعوا تغير وجهها وخلال فترة وجيزة من قرية صغيرة إلى مدينة عامرة , فيها من حملة الشهادات العليا وأساتذة الجامعات , والأطباء , والمهندسين , والطيارين, والجامعيين ما يفرض على غير أهلها أن ينحني أمامها إحتراما وتقديرا , وان (يرفع قبعته) في حضورها أدبا لبلد كبير يحتوى على شخصيات كبار لهم مكانتهم في مملكتنا الأردنية الهاشمية .