نيروز الإخبارية : نيروز الاخبارية – ماهر ابو طير
قرأت مثلي ومثل غيري، مئات المقالات كتبها اسرائيليون، كانوا اساسا، وزراء او اعضاء في الكنيست، او ضباطا في جيش الاحتلال، او ضباطا في الموساد، أو دبلوماسيين، وكلهم كانوا يتوقعون خلال العشرين عامًا الفائتة، انهيار الاردن، لاسباب مختلفة، وثبت ان الاردن بقي، وذهبت تحليلاتهم ادراج الرياح.
اتحدث عن فترة محددة، ولربما كانت هذه المقالات، والتحليلات السياسية والمذكرات السرية، في اسرائيل تقيّم الاردن، بالطريقة ذاتها، والامر قد يعود الى ماقبل عشرين عاما، وخلال عقود الستينيات والسبعينيات، ويتواصل حتى هذه الايام، بطرق مختلفة، تتسرب احيانا الى الاعلام، واحيانا يتم نشرها جهار نهار على شكل مقالات او استخلاصات لمؤسسات القرار الاسرائيلي.
لكن الواضح، إما انهم لا يفهمون الاردن جيدا، وإما انهم يكتبون لمجرد اثارة الاشاعات، او ان كل حساباتهم تخطئ دائما، وبإمكان اي مختص، ان يعود الى مئات الاستخلاصات التي نشرها سياسيون وخبراء سابقون في الاستخبارات، او كتبها وصرح بها سياسيون او اعلاميون، لنكتشف ان شيئا مما كانوا يكتبونه، لم يحدث على ارض الواقع في حالات كثيرة.
المشكلة هنا، تكمن في الجمهور لدينا، الذي يعتبر كل نص اسرائيلي مكتوب، ذا مصداقية عالية، وانه يؤشر على رؤية او توجه اسرائيلي، او توطئة لقرار او لعبة ما، وقد قيل مرارا ان ليس كل ما يكتبه او يقوله اسرائيلي، قضاء وقدر، لابد ان ينفذ نهاية المطاف، فمثلما لدينا من يكتب، لديهم ايضا، من يكتب، من كل المستويات التي سبق ذكرها.
لا احد ينكر هنا، ان الاسرائيليين يجمعون معلومات بطرق مختلفة، عن كل جوار فلسطين، سواء المعلومات العلنية الموجودة في الاعلام، او تلك المخفية، ويتم جمعها بطرق مختلفة، ويتم تحليل هذه المعلومات من وحدات وجهات مختصة، لدى مؤسسات سياسية ودبلوماسية وامنية، كما ان العاملين ايضا في حقول الامن والسياسة والاعلام، يتعرضون الى ذات الكم من المعلومات، لكن بدرجات مختلفة، واقل في اغلب الحالات، ويحللون ويكتبون وفقا لما بين ايديهم، وقد يصيبون في مرات قليلة، ويرتكبون اخطاء فادحة في اغلب المرات.
في كل الاحوال، الذي يتوجب قوله، ان اهتمام الاسرائيليين بالاردن، وكثرة الحديث عن انهيار الاردن، اهتمام مفهوم، لاعتبارات جيوسياسية، لكن الاستخلاص يأتي خاطئا، كما كل مرة، خصوصا، ان الاسرائيليين دوما يركزون على الواقع الاجتماعي، والتركيبة الداخلية، والوضع الاقتصادي، والربيع العربي، ومستوى الحريات، والحل النهائي، وقصص الوطن البديل، والعلاقات الاردنية العربية او الغربية، واستقرار الدولة، والسيناريوهات المحتملة، وغير ذلك من قضايا يتناولها الاسرائيليون سرا وعلنا.
الواضح انهم من حيث الملفات المثيرة للاهتمام، لديهم حاسة خاصة، لكنهم من حيث التقييمات والاستخلاصات، لايصلون الى نتائج صحيحة، والسبب بسيط، انهم لايعرفون الاردن جيدا، مثلما ثبت في مئات الحالات.
من المهم الاطلاع على مايكتبون، ويصرحون، لكن الاهم، تقييم شخصية من يكتب او يصرح منهم، وعلى اي اساس بنى نظرياته، ومعرفة الحقيقة التي تقول ان كون الكاتب او المحلل، اسرائيليا، لايمنحه اي اضافة او قداسة، خصوصا، ان كثيرا منهم يتورطون في الجهل المقصود او غير المقصود، او حتى في لعبة الاثارة السياسية والاعلامية.
ربما الاخطر، ذلك الذي يتعلق بما يتم اعداده سرا بعيدا عن اعين الاعلام والسياسيين، من دراسات وخطط وتحليلات، وهذا كله يستند الى معلومات ادق، وتؤخذ قرارات على اساسه، اما ذاك الذي يتسرب يوميا الى الاعلام، ضد الاردن، فهو يستحق القراءة، لكنه قد لايستحق الاهتمام كثيرا، في اغلب الحالات، اذ لديهم ايضا، من يكذب، ومن يتخيل، ومن يريد ان يصنع قصة، دون اساس، ومن يبحث عن شهرة بين جمهوره الاسرائيلي، او شهرة بين خصومه العرب!.
الدستور.