كيف تستقيم الحياة وهذا الموت الكثير جدًا القادم من غزّة يحيط بنا ويدفعنا دفعًا للجنون..؟! كيف يستقيم يومك نهارًا وليلًا وأنت ترى نفسك لا شيء.. تراك عاجزًا عن فعل شيء قيد أُنملة؟ كيف تستقيم في طعامك، كيف تمدّ يدك إلى لقمةٍ بشكل طبيعي بل كيف تمضغها؛ وكلّ هذه الجثث أمامك ولا تستطيع أن تبعد بصرك عنها لحظة؛ بل إنك تشعر أن جثّتك أيضًا بين أكوام الجثث..؟!
الجنون الصهيوني في غزّة الآن ليس مردّه إلى اللاعقل بل إلى كامل العقل المقصود.. هذا هو الجنون عن سبق إصرار وترصّد.. هذا الذي يقال عنه: الاجتثاث..! نعم؛ عدوّنا الصهيوني يريد أن يجتثّنا ولا يبقي منّا حتى الهسيس..!
بعد ما حدث في المستشفى المعمداني في غزّة.. تغيّر كل شيء في عيوني وقلبي وروحي وعقلي.. شعرتُ أننا ندخل الآن في عالم القيامة.. وأننا خارج الدنيا بالفعل.. وما الانسان إلّا خيالات ومشاعر متدفقة بعد أن يتفجّر في خزين الوجود..!
الموت القادم إلينا من غزّة.. ليس موتًا عاديًّا.. إنه موت يستفزّ الكرامة.. ويتغلغل بالوجدان ولا تفيد معه بعد ذاك كل محاولات التسوية والدعوات إلى السِّلْم.. ! ما حدث أكبر من مجزرة..! ما الفرق بين ما فعله هتلر بهم وما يفعلونه بنا الآن..؟! نحن الذين نحرق الآن بالصوت والصورة الواضحين أمام العالم وببث مباشر .. بينما ما فعله هتلر ما زال يخضع للتصديق والتكذيب ولم نره ولكننا لا ننكر حدوثه ولكن العالم بم يره.. ! نحن لسنا بحاجة إلى شهود.. فالعالم كلّه شهودنا.. ولكنّ عالم المصالح المنافق المسيطر هو شهود زور..!
كلّ طفل في غزّة الآن يقول لكم: قدمي في كلّ التسويات.. كل جثّة في فلسطين تصرخ في عجزكم: دمي في رقبتكم.. كل شهيد ارتقى وذهب إلى الله يضحك عليكم من عالي السماوات ويجلجل بكل طاقته ليثول لكم بوضوح: القصاص القصاص القصاص..!
هذه الأرض الفلسطينيّة التي يسكنها الموت بلا تعداد نهائي للشهداء لن تستسلم ما دام فيها حجر..!
إذا كان عدوّك مجنونًا فلنكن أجنّ منه.. ولن يطهّرك إلّا أنت.. فابدأ من الآن حرب التطهير؛ وليس التحرير فقط.