تحدثت بمقال سابق عن الجهاد الدبلوماسي للملك عبدالله الثاني ابن الحسين دفاعا عن قضية الأمة المركزية؛ وحيث مازال يمارس جهاده دفاعا عن فلسطين ومقدساتها؛ ولوقف العدوان الغاشم على غزة وأهلها الذي وصفه الملك في كلمته في مؤتمر القاهرة للسلام ب"جريمة حرب"و عقاب جماعي لسكان محاصرين لا حول لهم ولا قوة.
أظهر مؤتمر القاهرة للسلام حضورا نوعيا للمملكة الأردنية الهاشمية من خلال الكلمة النوعية والفريدة للملك في جهاده الموصول ؛ والتي تجلت فيها أولا في رسالة الإسلام العظيم بدءا من تحيته التي تدعو للآخرين بالسلام والرحمة من الله ؛ وهذا بحد ذاته يقطع المزايدات من أي طرف كان بأن يشكك في اننا دعاة سلام وأمن للعالمين.
والرسالة الثانية التي تضمنها حديث الملك: قواعد الاشتباك التي يجب على المسلمين تطبيقها والالتزام بها، كما يتحتم الالتزام بها على كل من يؤمن بإنسانيتنا المشتركة، فحياة كل المدنيين ثمينة. وهنا يشير الملك الى وصايا الرسول العربي الهاشمي عليه أفضل الصلاة والسلام والخليفة المسلم الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وتتجسد قواعد الإشتباك التي أشار اليها الملك بوصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى «الحروب»: «لا تقطعوا شجرة.. وألا تقتلوا امرأة ولا صبيا ولا وليدا ولا شيخا كبيرا ولا مريضا.. لا تمثلوا بالجثث.. ولا تسرفوا فى القتل.. ولا تهدموا معبدا ولا تخربوا بناء عامرا.. حتى البعير والبقر لا تذبح إلا للأكل».. كما أوصى عليه السلام أيضا بالإحسان إلى الأسير وأن نكرمه ونطعمه.. وأن نوفى بالعهد.. وأخيرا عدم إجبار أحد على الإسلام..
أما العهدة العمرية، التي صدرت على عتبات بوابات القدس قبل ما يقرب 15 قرنا من الزمن وقبل أكثر من ألف عام من صدور اتفاقيات جنيف، أمرت الجنود المسلمين بألا يقتلوا طفلا، ولا امرأة، ولا كبيرا في السن، وألا يقطعوا شجرة، وألا يؤذوا راهبا، وألا يدمروا كنيسة، ولأهمية الإستشهاد الملكي بهذه العهدة ، لابد من إدراج نصها كاملا لعل ذلك يعزز المقصد الملكي من الإشارة اليها في هذا التوقيت تحديدا.
"...هذا ما أعطى عبد الله، عمر، أمير المؤمنين، أهل إيلياء من الأمان.. أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم وسقمها وبريئها وسائر ملتها.. أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينقص منها ولا من حيِّزها ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم، ولا يُكرهون على دينهم، ولا يضارّ أحد منهم، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود.
وعلى أهل إيلياء أن يُعطوا الجزية كما يُعطي أهل المدائن. وعليهم أن يُخرِجوا منها الروم واللصوص. فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا أمنهم. ومن أقام منهم فهو آمن، وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية. ومن أحب من أهل إيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلي بِيَعهم وصلبهم، فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بِيَعهم وصلبهم حتى يبلغوا أمنهم. فمن شاء منهم قعد وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية. ومن شاء سار مع الروم. ومن شاء رجع إلى أهله، فإنه لا يؤخذ منهم شيء حتى يحصد حصادهم.
وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين، إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية".
والرسالة الأعمق؛ برأي : التي أراد أن يوصلها الملك للعرب والمسلمين والمجتمع الدولي: ان الهاشميين هم أصحاب الشرعية في الوصاية الأبدية على المقدسات العربية في فلسطين؛ وأن دورهم التاريخي هو إمتداد طبيعي لشرعيتهم الدينية والقومية ؛ وأنه مهما خفتت أصوات الأمة ووهنت عزيمتهم ؛ ستبقى صرخة الهاشميين مدوية معلنة ديمومة النهضة وقيادة الأمة في السلم كما في الحرب؛ وان على العالم أن يصغي جيدا لصوت الحق ويحترم قرارات الشرعية الدولية لتحقيق العدالة وإحقاق الحق الشرعي للشعب العربي الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته على حدود الرابع من حزيران 67 وعاصمتها القدس الشرقية، وهذا ما يؤمن فيه جميع الأردنيين الذين يقفون صفا منيعا خلف قيادتهم الهاشمية وجيشهم العربي المصطفوي المظفر بإذن الله تعالى.
* أمين عام وزارة تطوير القطاع العام/ مدير عام معهد الإدارة العامة سابقا.