مع استمرار القصف الجوي الصهيوني الوحشي البربري لأكثر من اسبوعين على قطاع غزة، ومع تزايد اعداد الشهداء والمصابين من الأطفال والنساء، ومع حجم الدمار العشوائي للمباني، فلقد اصبحت غزة مسرح عمليات اشبه بغابات فيتنام الكثيفة، بعد ان غطتها اثار الدمار للمباني، قد يستغرب البعض منكم هذا التشبيه، فلقد تمكن المقاتلين الفيتناميين من قتل أكثر من 58,318 جندي امريكي، وإصابة ما يقارب 153,303 جريحًا في غابات ومستنقعات فيتنام، واليوم وبعد ان تحول عدد كبير من مباني غزة الى غابات اسمنتية، لن تستطيع قنابل النابالم الصهيونية، ان تحطم او تحرق الاعمدة والجدران التي تراكمت بارتفاعات مختلفة، مما شكل بيئة عمليات قتالية للمدافع ملائمة للدخول في معركة تحتاج الى كل الجيش الإسرائيلي والاحتياط للسيطرة عليها.
مما لا شك فيه ان القتال في المناطق المبنية، هو من اصعب انواع القتال على القوات المهاجمة، والذي عادة ما يبدأ في المرحلة الاولى بالقصف والعزل (Isolation) والتطويق والحصار ، يتبعه المرحلة الثانية وهي الاقتحام والحصول على موطئ قدم (Securing FootHold) ،والتي قد يلجأ المهاجم أحيانا الى دمج هاتين المرحلتين معا وبشكل متزامن في محاولة لدخول المدينة، ثم يتبعه المرحلة الثالثة وهي التقدم او الاقتحام والتطهير وإزالة القوات المدافعة (المقاومة) (Clearing)، وعادة ما تكون هذه المراحل تتم تحت تغطية الاسناد الجوي القريب CAS (Close Air Support) ، والتي قد تنفذ أيضا بالتزامن مع عمليات الاقتحام الجوي Air Assault ، من خلال إنزال قطاعات (قوات خاصة) في المواقع الخلفية لموطئ القدم، ليتم الالتقاء ما بين القوات الأرضية والقوات المحمولة جوا لتأمين راس جسر جوي .
ونظرا للشكل الجغرافي الشريطي لمنطقة غزة، فستقوم القوات الإسرائيلية بتنفيذ الهجوم البربري على ثلاث جبهات او محاور، المحور الاول الجهة الشمالية كهجوم بري مساند للسيطرة على محافظة الشمال، والمحور الثاني من الجهة الغربية (جهة البحر)، كهجوم تضليلي للقيام بعمليات إنزال برمائية على الشواطئ الغربية للسيطرة على محافظة دير البلح. والمحور الثالث وهو الهجوم الرئيسي فيكون على محورين، من المحور او المقترب الشرقي الشمالي يسانده المحور الرابع من المحور الشرقي الجنوبي وهو الهجوم الثانوي للسيطرة على المنطقة الوسطى من غزة لاستهداف محافظة خانيونس، بالتزامن مع الهجوم من المحور او المقترب الجنوبي لاستهداف محافظة فرح ومنع خروج المقاتلين.
مما لاشك فيه ان الدفاع في المناطق المبنية ،هو من اسهل أنواع القتال للقوات المدافعة، ذلك ان القوات المهاجمة تحتاج الى ان تكون عقيدتها وتشكيلاتها بحجم 1:3 أي ان المهاجم يحتاج الى فصيل (30) مقاتل، للهجوم على جماعة مدافعة تتألف من (9) مقاتلين ، وهنا فان مقاتلي المقاومة الفلسطينية، لن يتدخلوا في المرحلة الأولى (القصف والعزل) كما يحدث الان، بعد ان اتخذوا مواقع اختباء محصنة Hidsites، اما في المرحلة الثانية (الاقتحام )التي اصبحت وشيكة ، وهي مرحلة تامين موطئ القدم ، فإنهم سيقومون بالقيام ببعض العمليات الخاصة والخاطفة والسريعة، لتدمير معنويات القوات الإسرائيلية ،لإجبارها على الانفتاح على واجهة اوسع ، مما سيساعدهم في استهداف الدبابات وناقلات الجنود بصواريخ الكتف وصواريخ الكورنيت من مواقع الاختباء المعدة، او باستخدام الطائرات الدرون Drone التي شوهدت لأول مره في التاريخ العسكري ، وهي تحمل القذيفة المتفجرة من صواريخ الا ار بي جي RBG لإسقاطها على أبراج دبابات ميركافا الإسرائيلية ، التي تتميز بقوة تصفيحها من الامام والجوانب وضعفها من الاعلى، في محاولة لإجبار الجنود الإسرائيليين على الترجل من هذه الدبابات، او حتى الاليات الخفيفة التصفيح من نوع ديفيد MDT David Light Armored Vehicle التي وصلت حديثا من أمريكيا ، ليصبحوا أهدافا سانحة وسهلة للقناصين من اسطح البنايات او مواقع الاختباء.
بنيت العقيدة الإسرائيلية في القتال بالمناطق المبنية، على حماية مقاتليها بتجنب المسير في الشوارع والمناطق المفتوحة، باستخدام أسلوب فتح الثغرات في جدران المباني بالدخول باستخدام المتفجرات C4 من مبنى الى مبنى اخر مجاور، او باستخدام الجرافات المصفحة من نوع D9 لإزالة الموانع الاسمنتية في طريقها، الا ان المقاومة ستقوم بتفخيخ المنازل المدمرة، وكذلك ستقوم باستهداف الساحات والمنطقة المفتوحة، من خلال زرع الألغام فيها لمنع انزال او هبوط أي قوات محمولة جوا باستخدام طائرات النقل العامودية CH53 .
ستحاول القوات الإسرائيلية استخدام طائرات الأباتشي العامودية المقاتلة، لتقديم الاسناد القريب مما سيجعلها اهداف لأسلحة الارض - جو المحمولة على الكتف Man-Portable Air Defense Systems (MANPADS) من نوع SA-14 او SA-7 المعروف بستريلا 9K32 Strela ، او حتى صواريخ RPG-7 المخصص للدروع المتوسطة التصفيح الذي من الممكن ان يستخدم ضد الطائرات خلال مرحلة الهبوط والاقلاع . كذلك ستلجأ قوات المقاومة الفلسطينية باستخدام القناصين لاستهداف الطيارين في الطائرات العامودية، الامر الذي سيجعل عمليات الإسناد الجوي القريب من العاموديات المقاتلة CAS او حتى من المقاتلات الإسرائيلية صعبة جدا ومعقدة وكذلك عمليات الاخلاء الطبي او البحث والإنقاذ لمن تسقط طائراتهم.
ستحاول القوات الإسرائيلية مطاردة مقاتلي المقاومة الفلسطينية في شوارع غزة بقتال الشوارع والتي تتميز بمعرفة المقاتلين لها بشكل ممتاز ، والتي يجهلها المقاتلين من القوات الإسرائيلية ، وهنا سيستخدم المقاتلين من المقاومة الفلسطينية الالغام الأرضية والحشوات المبتكرة IEDs Improved Explosives Devices ومصائد المغفليين (booby traps )، التي هم برعوا فيها والتي من الممكن انه تم زرعها او سيتم زرعها، وذلك بوضعها على مقتربات ومحاور التقدم للقوات الارضية الإسرائيلية ، او في مناطق الهبوط او الانزال البحري ، بالتزامن مع تنفيذ عمليات قصف مدفعي من المقاومة الفلسطينية باستخدام الهاون 81 ملم و 120 ملم ، لاستهداف جنود المشاة الإسرائيليين في المناطق المفتوحة ،كما وستستهدف المقاومة مواقع القيادات الخلفية والمواقع الإدارية الخلفية التي ستكون ضمن مرمى اسلحة الهاون ، كما ستستهدف الطائرات العامودية المتهالكة من نوع CH53 (التي سجلت اكثر تاريخ حوادث طيران عسكري في العالم) وطائرات البلاك هوك Black Hawk ، والتي عادة ما تكون محملة بجنود من المظليين او القوات المحمولة جوا ، كذلك ستقوم قوات المقاومة الفلسطينية بالقيام بعمليات تسلل خلف خطوط القوات الإسرائيلية لتنفيذ عمليات انغماسية (انتحارية) نوعية.
هنا ومع تزايد اعداد القتلى للقوات الاسرائيلية بالألف، ومع طول مدة هذه الحرب التي فتحها على راسة النتن ياهو ستطلب اسرائيل وقف إطلاق النار وإسقاط الحكومة واحالة ملف نتين ياهو الى ملف مجرمي الحرب.