القوات المسلحة الأردنية ـ الجيش العربي ـ درع الوطن وقرة عين قائده، وعنوان الأمن والاستقرار، ورمز السيادة والاستقلال. رسم جيشنا العربي المصطفوي معالم عزٍ وفخار أردنية، صاغها أوفياء هذا الجيش بعزيمة واقتدار وهم يقفون سداً منيعاً لحماية الوطن الحبيب. فمنذ تأسيس الدولة الأردنية ووصولاً إلى المئوية الثانية، عملت القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي_ جنباً إلى جنب مع باقي المؤسسات على بناء وتنمية الدولة الأردنية بمؤسساتها كافة في العديد من المجالات لتكون شريكاً فاعلاً ورافداً لمسيرة النهضة الوطنية الأردنية وتحقيق المصلحة الوطنية العليا، وتمكنت من الاستمرار بأداء واجباتها العملياتية بحرفية وكفاءة واقتدار وأداء أدوارها التنموية والإنسانية في مختلف القطاعات الحيوية.
القوات المسلحة الأردنية -الجيش العربي ـ ومنذ أن حمل هذا الاسم وازدانت هامات فرسانه بشعار الجيش العربي وهو يحمل رسالة قومية إنسانية ونهجا عربياً هاشمياً، فقواته الأولى تشكَّلت من جيش الثورة العربية الكبرى والتي جاءت وقامت من اجل الوحدة العربية والحرية والاستقلال ودفع الظلم عن المظلومين وإشاعة مبادئ الإنسانية والجندية ونواميسها بين الناس. وقد حمل هذا الجيش وعلى مدى مراحل التاريخ هموم الأمة وتسنَّم ذرى المجد في الدفاع عن قضاياها وبذل الدماء والأرواح على ثراها وقدَّم وما زال يقدِّم إمكاناته وخبراته لكل الأشقاء في الوطن العربي، وامتدَّت هذه الرسالة والتي حملها مع قيادته الهاشمية الحكيمة ليقيل عثرة المظلومين والمحرومين والمشردين في بقاع شتى من العالم وجسد بخلقه وإنسانيته معاني الشرف العسكري التي انبثقت من روح رسالة الإسلام السمحة ديناً وخلقاً ومنهج حياة.
لنعُد بالذاكرة الى عام 2009 ونتحدث عن مواقف بطولية للجيش العربي، عندما تلقى مجموعة من ضباط الجيش العربي خبرا وكان الخبر الأسعد بالنسبة لهم؛ لاختيارهم ضمن القوة التي ستتجه الى المستشفى الميداني الذي أمر جلالة الملك عبد الله الثاني المعظم بإنشائه بذلك العام في حي تل الهوى في قطاع غزة. حينها كان الشارع الأردني يعيش غليانا واحتقانا كبيرين جراء الهجوم الإسرائيلي الذي كان العدوان الأول الواسع على قطاع غزة والذي بدأ في السابع والعشرين من كانون الأول (ديسمبر) عام 2008، واستمر 23 يوما حتى الثامن عشر من كانون الثاني (يناير) من عام 2009، وبعد انتهاء العدوان بنحو 10 أيام، بدأ المستشفى عمله في غزة كأول مستشفى عربي في القطاع. في تلك الأثناء تبرع جلالة الملك أثناء اندلاع الحرب بالدم لأهل غزة، مطلقا بذلك حملة وطنية للتبرع بالدم، وبعدها كان الإيعاز للجيش العربي بتجهيز المستشفى الميداني العسكري الذي استفاد ملايين الغزيين من خدماته منذ إنشائه وحتى يومنا هذا في ظل الحرب القاسية التي بدأت في السابع من أكتوبر من عام 2023.
الذهاب والالتحاق بالمستشفى الميداني العسكري في غزة هو حلم كل ضابط وفرد من الجيش العربي، فعلى الرغم من أنهم سيواجهون كارثة إنسانية وسط ضغط كبير في ظل حرب دائرة، وإعداد كبيرة للشهداء والمصابين، إلا أن جنود أبا الحسين يبذلون كل طاقاتهم وجهدهم لتقديم أفضل الخدمات الممكنة في ظل الأوضاع الصعبة، مندفعين بحس عال من المسؤولية تجاه الأشقاء في غزة. توالت بعد ذلك دفعات الطواقم التي تغادر المملكة الأردنية الى المستشفى، إذ يتم استبدال الطاقم كل شهرين قبل أن تصبح كل 3 أشهر بدءا من عام 2020. يشمل المستشفى العسكري في غزة معظم الاختصاصات من أطباء وممرضين وصيادلة وفنيي مختبرات وأشعة، بالإضافة الى طاقم خدمات مساندة كالتي تعمل على غسل الملابس وكيها وإعداد الطعام والحراسة، ويحتوي المستشفى على غرفة عمليات وأجهزة تعقيم وعيادة أسنان مجهزة بالكامل، وعيادات أخرى للاختصاصات الباطنية والجراحة العامة وجراحة العظام والنسائية والتوليد والجلدية وباحث نفسي طبي وعلاج طبيعي وعلاج وظيفي، وغرفة طوارئ تعمل على مدار 24 ساعة، ومختبر فحوصات وأشعة وصيدلية كبيرة تنقسم الى قسمين، الأول للمستهلكات الطبية كالكراسي المتحركة والعكازات وما شابه، والقسم الثاني مخصص للأدوية. عمل الأطباء وجميع الكوادر الطبية لا يقل صعوبة عن الأعمال القتالية، وسط إجهاد كبير ونقص في المعدات والمستلزمات والإمدادات، مقابل التزايد الضخم في أعداد الجرحى والشهداء الذين لا يكاد نقلهم الى المستشفيات يتوقف، والى جانب المستشفى العسكري الميداني الأردني لا ننسى أيضا الجهود الجبارة للمستشفيات الموجودة أصلا في القطاع في ظل شح المعدات الطبية، فجميعهم يعملون دون كلل أو ملل أو توقف في ظل القصف العنيف والمجازر التي ترتكب من قبل العدو.
إن الحاجة تبرز أكثر فأكثر لأي جهود تسند عمل القطاع الصحي في غزة، ومن بينها الجهود التي يقدما المستشفى الميداني الذي يجسد من خلالها جانبا إنسانيا من عمق الموقف الأردني العام والثابت في نصرة القضية الفلسطينية والوقوف الدائم الى جانب حقوق الشعب الفلسطيني ومساندته بكل الأشكال. دور أردني مكثف لمساعدة غزة رغم القصف الإسرائيلي في المجازر التي يرتكبها منذ العدوان الأول على القطاع وحتى حرب 7 أكتوبر من عام 2023، فأن ذلك يشكل خطرا كبيرا على المستشفى الميداني، وهدد استمرار عمله في غزة، إلا أن جلالة الملك وجه بالإبقاء عليه في القطاع والاستمرار في عمله؛ لإسناد المنظومة الصحية في علاج الجرحى والمرضى، وآخر انجاز عظيم وليس الأخير، يعتبر الأول والسباق وبتوجيهات ملكية سامية تسجل للأردن العظيم، حيث قامت طائرة تابعة لسلاح الجو الملكي هذا اليوم بإنزال مساعدات طبية عاجلة في ساعات الليل بواسطة مظلات للمستشفى الميداني الأردني غزة 76، والذي أوشكت امداداته على النفاد نظرا لتأخر إيصال المساعدات الى قطاع غزة عبر معبر رفح، وبذلك تعتبر الأردن الدولة العربية الوحيدة التي قامت بإنزال المساعدات في مظلي وسط المجازر والقصف الجوي الذي يقوم به العدو الإسرائيلي على قطاع غزة.