في علم الساسة يقال أي فئة تطمح إلى الهيمنة يجب عليها أولاً التمكّن من السلطة السياسية لتمثّل بدورها مصالحها الخاصة كأنها المصلحة العامة..وبذلك نصل إلى نتيجة..أن السياسة موضوع أخطر بكثير من أن نتركه للسياسيين.وأصدق دليل على ذلك ما نسمعه في هذه المرحلة العصيبة من تصريحات متطرفة باطلة في شرع السياسة من قادة دول العالم ,كتصريحات المزعوم وزير دفاع الكيان المحتل الأسبق وزعيم حزب "يسرائيل بيتنا" اليميني الصهيوني أفيغدور ليبرمان وتهديده بالإستعداد للحرب مع مصروالأردن بدافع القوة ,وإستعادة الشرف الوطني!!!.
هذا المزعوم ليبرمان يطرح هلوسته السياسية في وقت يرى فيه العالم أجمع الهزيمة الإستراتيجية التي نالها جيشه الهلامي في حربه على غزة وفي حالة من الرعب والقَلق تتضح من خِلال تخبط وضعف القرارات . حيث يعترف أن كيانه المحتل مشوه ومبني على سياسة خاطئة وبحاجة الى إصلاح .ومن هنا نلتقط طرف الخيط من خطتة العسكرية الجديدة لإسرائيل حول الحدود الأطول، مع مصر والأردن، وضرورة إضافة لواءين قتاليين بالكامل إلى الحدود المصرية وثلاثة ألوية إلى الحدود الأردنية..فما هي مصالحه ولماذا؟؟
دعونا في البداية نلقي الضوء على من يسمى بوزيرالتهديدات العنجهي في كيانه وحزبه ,هذا المهاجر الذي جاء من ملدوفيا وعمل حارس أمن في الملاهي الليلية إضافة الى عمله سابقا في المافيا الروسية ولازال لا يتقن اللغة العبرية بطلاقة إشتهر بفضائحه الكثيرة وعنصريته وقضايا فساد وتصريحات فظة وغير لائقة ,تسببت بتوترعلاقات الكيان الصهيوني مع الكثير من الدول والتي عبرت عن عدم رغبتها التعامل مع هذا الوزيرعديم الرأس الذي يفتقر الى اللياقة الدبلوماسية.
هذا الجبان أفيغدور ليبرمان هدد الجميع , فلم يتبق أي طرف في الإقليم دون التلميح أو التصريح بمحاربته بدءاً من حماس وإيران ومصروالعراق وتركيا وهدد بضرب السد العالي وإحتلال سيناء ومهاجمة لبنان وسوريا واليمن وقطاع غزة وحزب الله والسلطة الفلسطينية وإنهائها, وعمل إنقلاب على محمود عباس ومحاصرته وقتله .وهذا ليس بالمستغرب على يميني صهيوني متطرف يعكس وجود كيانه المستعمر,وإستغلال التفكك العربي والهشاشة السياسية لبعض الدول في الإقليم .
ونعود لأصل الحكاية اذ أنه في عام2016 أعد أفيغدور ليبرمان وثيقة ، عندما كان وزيراً للدفاع، وحذّر فيها بشكل واضح من خطرهجوم قد تشنه حماس، تماماً كما حدث في 7 أكتوبر, وكان وقتها الصراع محتدماً بين نتنياهو وخصومه الحزبيين ,وتم عرضها على نتنياهو وقد صنفت أنها سرية جداً، ووجه ليبرمان مذكرة مفصلة من 11 صفحة يشرح فيها بالتفصيل أن حماس باتت قوة عسكرية طموحة تخطط لهجوم للقضاء على إسرائيل، وتحرير جميع أراضي فلسطين.وستكون الحرب متعددة الجبهات، بواسطة بناء جبهات أخرى إضافة لقطاع غزة ( لبنان، سوريا، الأردن، سيناء ) وحتى ضد أهداف يهودية في أنحاء العالم ككل. وأضاف أن حماس وسعت صفوف مقاتليها إلى 50 ألف ناشط حتى عام 2020، وعززت قوتها في المنظومة البرية المقاتلة، و طلبت تمويلاً من إيران بمبلغ 60 مليون دولار.
فما كان من نتنياهو الّا إخفاء أو إتلاف هذه الوثائق وعدم التطرق اليها ,لأنها لا تخدم مخططه الإستراتيجي وطموحاته في الكيان , كما أنها تعد ورقة رابحة لليبرمان الذي قد يعتبر بطلاً قومياً في حال إثبات الوثيقة , ويصبح خصماً منافساً وغريماً صعباً نحو الرئاسة والحكومة . وهو أمر بقي ذا حقد وأثر في نفس ليبرمان الذي توعد قبل أيام أن الكيان فشل، واحتلت 22 قرية، و11 ثكنة عسكرية ،والكثيرمن القتلى , ودليل الوثيقة هو آخر الضربات المنهكة لرئيس الوزراء، الذي بات يترنح بقوى خائرة للإطاحة به.
ويبدو أن افيغدور ليبرمان تطوع ليكون البطل الورقي الذي يجرؤ على هذا التحدي، فهنالك حرباً أخرى مفتوحة بين زعيم الليكود والوزراء والجيش والموساد والأحزاب , لتكثر التصريحات والإستهلاكات الإعلامية والفبركات والتسلقات والأكاذيب لتوريط نتنياهو سياسياً وشعبياً لأنه يمثل الحزب الأكبر لعله يخسر بعضاً من أوراقه. وبغض النظرعن المصالح ، فإن السياسة الإسرائيلية لا يحددها وزير دفاع سابق متناقض مثل ليبرمان. علاوة على ذلك، فإن ليبرمان زعيم حزب فردي متطرف دون أي خبرة عسكرية أو قيادة. علاوة على ذلك يبدو انه لا يستوعب ما أصبح عليه جيشه الهلامي من ضعف وما هي حدود القوة الإسرائيلية التي تحميها أمريكا بصواريخها وبوارجها وجنودها،ولن يستطيع الكيان من خلالها تحقيق أهدافه.
علاوة على ذلك ,إسرائيل الدولة التي أسسها جيش؛ لازالت تتوجس من مرحلة ما بعد الحرب , والتي يبدو أنها أصعب بكثير من الحرب نفسها ,فقد فشلت الإتفاقيات وبات الحديث عن منح دول لسلطات في غزة دون التوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين،وفي الكيان هنالك رفض لحل الدولتين وإدخال السلطة الفلسطينية إلى غزة. لكن الوضع بات أكثر تعقيدا في تطبيقه على أرض القطاع .
في المحصلة الأقليم كله لا يحتمل أي تصعيد , والسيناريوهات كلها لا تعكس أي إستعداد عملي لتنفيذها في الوقت الراهن فالبوصلة إختلفت .والديناميكيات المتغيرة في الشرق الأوسط قد تأخذ وقتاً ليس بالهين . دول الإقليم جميعها في خندق واحد و تحتاج الى التعاون معا, وإن صفقة الحرب والإبادة والتهجير والسلام بالقوة والسعيرالإنتخابي والإجرامي لبايدن ونتنياهو لا يمكن قراءته في أي سياق سياسي، وحقيقة أن كل ما جرى ويجري هو ضمن علاقة الغرب المستعمر ببقية الشرق الأوسط,فالشعوب العربية كافة تدرك أننا أمام كم كبير من التحريفات والأكاذيب المتناقضة تزعم زوراً أحقية الصهاينة ليس في فلسطين بل وفي الأردن والسعودية واليمن ومصروالعراق وسوريا ولبنان وتحاول بث سمومها ، الأردن لديه خيارات ووسائل ضغط . وتبقى كل الخيارات مطروحة على الطاولة,خاصة وأن الاردن حلقة هامة في شبكة الدفاع الإقليمية,أما شعبياً فلا يختلف أثنان على الترابط الأردني الفلسطيني في إحتدام الصراع . ورغم الإحتقان السياسي إلا أن الأردن محاط بتحالفات دولية متعددة ,ليبقى التهديد الوجودي للمصالح الوطنية العليا للدولة الأردنية مرفوض وخط أحمر ويستحق الرد .