على بعد 28 كلم شمال مركز محافظة إربد الأردنية (92 كم شمال العاصمة عمان) تتربع قرية "عقربا" على سفوح التلال المُطلة على نهر اليرموك، وتُحيط بها أودية من جوانبها الأربعة.
تلك القرية البالغة مساحتها نحو 13 ألف متر مربع، تمثل لوحة طبيعية، إذ ترتدي رداءً أخضرا مزركشا بأشجار الزيتون والبلوط والصبّار، يستهوي الزوار، كما ترتبط القرية بأحداث تاريخية خالدة في أذهان أبناء المنطقة.
"عقربا" كما يُعرّفها أهل المكان هي كلمة "لاتينية" معناها المكان المرتفع المعزول، ويبلغ عدد سكانها، وفق إحصائيات رسمية، 3535 نسمة، ينتسبون إلى عشائر الشتيات والحمادنة والبراهمة وأبو العسل والعكش والبكور والقواسمة، وغيرهم.
على الحدود
منازل "عقربا" معلقة تعتلي القمم وسط الأشجار، وتكتسب القرية أهمية جغرافية بوقوعها قرب حدود الأردن مع سوريا وإسرائيل، ولا يفصلها عن الأراضي السورية وهضبة الجولان المحتلّة سوى الأودية.
ويفصل نهر اليرموك بين "عقربا" الأردنية وما يقابلها من أراضٍ سورية، ويبلغ طوله 57 كلم منها 47 كلم داخل الأراضي السورية.
في فبراير/ شباط 2004 أعلن عاهل الأردن الملك عبد الله الثاني والرئيس السوري، بشار الأسد، البدء في بناء سد على النهر، وسمي "سد الوحدة".
ويهدف السد، الذي شيدت شركة "Ozaltin" التركية 60% منه، إلى تزويد الأردن بالماء للاستهلاك البشري وللزراعة، مقابل تزويد سوريا بالطاقة الكهرومائية.
عين "عقربا"
تعتبر عين الماء العذب في "عقربا" من أقوى العيون شمالي المملكة، فهي تستطيع ضخ ما يزيد عن 144 متر مكعب يوميا بشكل انسيابي (دون حاجة لمضخات).
وتتوزع مياه العين، التي تجذب زوارا، إلى ثلاثة فترات خلال اليوم، حيث تستخدم مياهها من الساعة الثامنة صباحا إلى الثانية بعد الظهر لري الأشجار في المشتل القريب منها، والتي يتم توزيعها على الدوائر الحكومية والمواطنين الراغبين في زراعتها.
في حين تستخدم مياه العين من الثانية بعد الظهر وحتى السادسة مساء لغايات السقاية للسكان والمواشي، وتخصص المياه من الساعة السادسة وحتى الثامنة من صباح اليوم لري أشجار الرمان في وادي "عقربا"، والبالغة مساحتها حوالي 40 دونم (الدونم = ألف متر مربع).
قرية سياحية
إداريا تتبع "عقربا" لبلدية "الكفارات"، التي تضم إلى جانبها قرى: حبراص، وحرثا، ويبلا، والرفيد، وكفرسوم، الواقعات في "لواء" (تقسيم إداري أصغر من المحافظة) "بني كنانة".
وتوجد على أراضي "عقربا" قرية سياحية تحت الإنشاء، وهي مملوكة للدولة وتطل على "سد الوحدة"، يصفها رئيس بلدية الكفارات، أمين العزايزة، بأنها "لا مثيل لها في الشمال".
العزايزة تابع، في تصريحات للأناضول، أن "المرحلة الأولى لإنشاء هذه القرية السياحية تكلفت 300 ألف دينار (422 ألف دولار أمريكي)، وهي تحتاج إلى مبلغ مماثل لاستكمال إنشائها".
وتتكون القرية السياحية في "عقربا" من مسبح وملعب وألعاب للأطفال وغرف للمبيت، إضافة إلى مرافق أخرى.
آخر قرية
ووفق المواطن الأردني، محمد حسين شتيات، فإن "عقربا تتميز بأن أغلب سكانها من الفئة العمرية الشابة، ويحبون العلم والتعليم، فالمواطن في القرية مستعد للتضحية بكل ما يملك في سبيل إكمال تعليمه، وخاصة بالدراسات العليا".
و"عقربا" هي آخر قرية أردنية على الحدود مع سوريا من الجهة الشمالية، ولذا شهدت محاولات للتسلل من وإلى الأراضي السورية، رافقتها اشتباكات مسلحة بين حرس الحدود الأردني ومنفذي تلك المحاولات.
كما أن "عقربا" كانت من أبرز ممرات دخول اللاجئين السوريين إلى الأراضي الأردنية، قبل أن تقرر المملكة إغلاق حدودها مع الجارة الشمالية سوريا، في أعقاب هجوم استهدف نقطة عسكرية أردنية في منطقة الرقبان أقصى شمال شرقي المملكة، في 22 يونيو/ حزيران من العام الماضي، ما أسفر عن مقتل 7 عسكريين أردنيين.
حرب واحتلال
ورغم روعة اللوحة الطبيعية الخلابة في "عقربا"، إلا أن موقع القرية الجغرافي يدفع سكانها وزائريها إلى التفكير في جراح عربية لا تزال تنزف في حرب سورية وتحت احتلال إسرائيلي على مرمى البصر.
ففي حرب 1967 احتل الجيش الإسرائيلي ثلثي مساحة هضبة الجولان، الواقعة بين نهر اليرموك من الجنوب وجبل الشيخ من الشمال، وكانت تتبع قبل احتلالها إداريا لمحافظة القنيطرة السورية.
وقرب القرية الأردنية تتواصل منذ أكثر من ست سنوات حرب بين قوات النظام والمعارضة السورية، ما أودى بحياة ما لا يقل عن 310 آلاف شخص، أغلبهم مدنيون، وشرد ملايين السكان، وفق منظمة الأمم المتحدة.
ورغم شدة آلام الحاضر في "عقربا"، إلا أنها لا تزال شاهدة على انتصار إسلامي في معركة اليرموك، التي قادها خالد بن الوليد ضد الروم عام 15 هجرية، وهي واحدة من أبرز انتصارات المسلمين بعد وفاة النبي محمد (صل الله عليه وسلم).