نيروز الإخبارية : كتب : محمد عبدالكريم الزيود.
نيروز الاخبارية :
أستذكرك اليوم يا أبا ذرّ ، يا سيد الفقراء وأنا أحزنُ على أبناء الأغوار الجنوبية كيف ماتوا داخل صوامع العقبة، بلا نعيّ وبلا بكاءٍ وبلا صوت ، هؤلاء الفقراء فرّوا من الجوع بعدما نشفتْ مزارعهم، وجفَّ البحر الميت ولفظهم كالملح، وأغلقتْ المصانع والمدارس في وجوههم، وأُستملكتْ أراضيهم مزارعا لكبار القوم ، فرّوا يبحثوا عن رزقهم وخبزهم نحو العقبة ، فرّوا من الموت إلى الموت ، ومع ذلك لم يشهروا سيوفهم عندما جاعوا مثلكَ .
سيدي أبا ذرّ ، يا سيد الفقراء ، في بلادنا يموت الفقير وحيدا كما عاش وحيدا مثلكَ ، بلا صوت وبلا بكاء ، وبلا حزن ، وبلا مراسم ، فالفقراء لا تحفلهم كاميرات الإعلام إلا عند توزيع الطرود والمساعدات فأنهم عندها يصبحون سلعة للتمنن "لأهل الخير والأيادي البيضاء".. في بلادنا الفقراء مصدر دخل للمنظمات والجمعيات والمشاريع الفاشلة ، والإستثمار الفاسد ، يبيعونهم الوهم والخواء ويتاجرون بفقرهم وعوزهم ودموعهم .
ستة من شباب الغور ضحايا لتفجير صوامع العقبة ، ماتوا تحت الغبار ، فقدتهم عائلاتهم فجأة ، تركوا أمهات ثكلى وأرامل وأيتام ،ذهبوا صباحا ليعملوا فعادوا جنازات لأهلهم ، لا ذنب لهم إلاّ لأنّهم ضحايا لمقاولين فاسدين ، والإهمال الرسمي ، ولرأس المال الفاسد الذي لا يأبه لإنسانيتهم ولا لحقوقهم ولا لخبزهم ...
فيا شهداء الصوامع ، لا عذر للحكومة من دمكم ولا من صريخكم ، قتلتكم مرتين ، مرّة لأنها خذلتْ فقركم ، ومرة عندما سكتتْ عن حقوقكم ولم تعلن سبب موتكم للناس ، حتى الموت إستكثروه عليكم ، وبخلوا بالدموع والنعي ..
سيدي أبا ذرّ : الله ما أقسى الوطن على الفقراء ، والفقراء في بلادنا هم جمر الوطنية ومشاريع الشهداء ، ورغم الضيق والعوز والجوع فالفقير لا يتاجر في وطنه ولم يخذلَ وطنه يوما ، لكنها الحكومات يا أبا ذرّ من خذلنَ الفقراء ..
فسلام على شهداء الأغوار الجنوبية .. سلام على شهداء الصوامع ، حتى ماء بحر العقبة وملح البحر الميت لا يغسل ذنوبنا وتقصيرنا بحقكم .
طوبى للفقراء وطوبى للشهداء ، والسلام على أبي ذرّ ؛ عاشَ وحيدا وماتَ وحيدا ويبعثُ وحيدا ..!!!