لا توجد معركة بتفاصيلها وظروف حدوثها تشبه واقعة معركة الكرامة ، واذا ما درسنا المعركة جيدا ليس من بدايتها بل من وقت تقهقر العدو وهزيمته فاننا نرسم لوحة جديدة في التاريخ العسكري ، فكانت بدايتها تبدو استمرار العدو لتكملة انتصاره في حرب 67 ، معتقدا ان الجيش الاردني لا يزال يتجرع الهزيمة وستكون غارته عبر نهر الاردن هي اشبه بنزهة عسكرية ، لكن ما واجهه كان صادما بكل المقاييس .
الوضع الاردني هو انه لا زال في مرحلة اعادة التنظيم ، ويعتمد على مخزون مستودعاته من الاسلحة والذخيرة ، ولم يتلق طلقة واحدة من اي مصدر كان ، لكن الحسابات تقول ان الخسائر فادحة في الاسلحة عدا عن خسارة الارض ، وهذا ما كان يحسبه العدو ويرجح ان عملية الكرامة ستكون اثخانا في الجراح وانتصارا فوق انتصار واحتلال ارض اضافية ، واهمل الحسابات الاردنية التي لا تراهن على الحديد والاليات بل على صمود الانسان ووعيه وتصميمه ونموذج قيادته .
لذلك حين نكون في دراسة علمية عسكرية لاحداث الكرامة ، سنجد انفسنا امام حسابات اسقطها العدو ، بل سقطت مثل هذه الحسابات في الكثير من المعارك العالمية التي كانت تعتمد على الصدمة والتفوق العددي والنوعي .
في الكرامة كان التفوق العددي والتفوق النوعي ، وتفوق الكثرة ، ولكنها سقطت جميعا ، لأن حسابات التفوق المادي اغفلت حسابات التفوق المعنوي وارادة الصمود وتحدي القادم مهما كانت قوته .
لذلك في التاريخ العسكري التحليلي والمقارن نجد ان معركة الكرامة نموذجا مزدحما في استنتاج اساليب القتال وكيفية التعامل مع جيش آخر دون اسقاط اي عامل ، وتجنب الغرور والزهو واستهتار الخصم .
معركة الكرامة هي النموذج الذي يحتاج لدراسات عسكرية علمية جديدة ، بعيدا عن الاحتفالية بل الخوض في عمق دروس المعركة وتحليل احداثها من خلال ثلاث مراحل :
الاولى ما قبل المعركة والتي تعطي محصلة نتاج الدراسة ان العدو هو متفوق ومنتصر والدليل ما جاء في برقية المغفور له الملك الحسين للزعماء العرب في فجر يوم المعركة والتي جاء فيها قول جلالته يرحمه الله : " إن كنتم ستسمعون منا وليس منا بعد هذا اليوم " وهذه العبارة تعني ان الاردن قد يكون الى زوال .
والثانية : خلال الاحداث وقتال الجيش الاردني وكيف تصدت الحجابات وكيف وصلت الدبابات وكيف قاتل الجند "بالقليل من السلاح ولكن بالكثير من العزم "
والثالثة : نهاية المعركة وازاحة الستار والكشف عن حقائق عن ما هو العدو الذي تهاوى تحت ضربات الجيش الاردني ،
تفصيلات وحقائق وقتال بمشاركة كل الاسلحة وانتصار باهر ، والحقائق الاكثر صدامة هي الكشف عن ادعاءات من قال انه انتصر او حتى شارك وهو لم يكن في ميدان المعركة .
ولهذا استحقت المعركة دراسات علمية ، ولم نسمع او نشاهد حتى الان مؤتمرا عن معركة الكرامة ، او حتى متحفا بانوراميا ، بل فقط ان الكرامة لدينا هي لا تتجاوز فقط يوم 21 آذار من كل عام .