ظلّ البعض يراهن وهماً على الحركات التكفيرية لجهة إسنادها جبهة غزّة، ومحاولة التخفيف عن مظلوميّة أهلها عبر ضغط تمارسه على الأمريكي والإسرائيلي، فجاءت الحقيقة بأن ضربت هذه الحركات في عاصمة روسيا، قتلاً للمدنيين وبأسلوب همجي، وهذا ما يسوّغ طرح القراءة الآتية لهذه الغزوة الإرهابية:
أولاً: تُعدّ موسكو واحدة من عواصم المجتمعات الأوروبية، التي تشهد منذ اندلاع معركة طوفان الأقصى، دعماً شعبياً غير مسبوق للقضية الفلسطينية، وإدانة صريحة للكيان الإسرائيلي، وعندما تقوم جماعة إرهابية ترفع شعار الإسلام، بهذا العمل الوحشي ضد المدنيين في موسكو، ففي ذلك إعادة تنشيط للوعي الأوروبي بأن ما يسمى الإرهاب الإسلامي الذي توسم به حركة حماس أيضاً، هو نفسه من يضرب الآن بتوحشه في موسكو، وهذا من شأنه أن يسهم في فرملة الاندفاعة الشعبية الأوروبية اتجاه فلسطين وقضيتها.
ثانياً: فيما تعمّد المُخطِط لهذا الهجوم الوحشي بأن يكشف الإرهابيون المنفذون عن وجوههم وهويتهم، وسط كاميرات مراقبة منتشرة في المكان، لقد أراد لهم أيضاً القيام بعمل يحاكي ما سارع الأمريكي والإسرائيلي لنشره عن الكيفية التي قتل بها المقاومون الفلسطينيون لمدنيين إسرائيليين في مستوطنات غلاف غزّة، وفي ذلك، إسناد لمقولة يعمل الإسرائيلي وخلفه الأمريكي على تأكيدها بأن حركة حماس تنتمي إلى نفس هذه المدرسة الإرهابية المتوحشة وليست هي حركة مقاومة ذات دوافع إنسانية نبيلة.
ثالثاً: يراهن المخطط لغزوة موسكو على ردة فعل قادة الكرملن، وبالتحديد، الرئيس بوتن الآتي إلى الرئاسة بتفويض شعبي عال جداً أفرزته الانتخابات، والذي من الطبيعي أن يتوجه بضربة انتقامية قوية لمعاقل هذه الحركات، حيث جرى التسريب بأنهم قدموا من تركيا، وحينها، سوف يجاهر الإسرائيلي وخلفه الأمريكي بأنّه كما من حق روسيا أن تقوم بإجراء عنيف ضد هذه الحركات التكفيرية، فمن حق إسرائيل أن تقوم بذلك أيضاً، وهذا ما يسهم في خلق تبرير مقبول أوروبياً وعالمياً لما يجري الآن في غزّة.
رابعاً: لقد ترافقت غزوة الإرهاب لموسكو مع فيتو روسي صيني ضد قرار أعدّه الأمريكي بخبث عالٍ، يدعو خلاله إلى وقف فوري للحرب في غزة، وفي ذلك ما يوحي ضمناً إلى مقولة يروجها الأمريكي خاصة، بأن الروسي والصيني لا يريدان وقفاً للحرب الدائرة في غزّة، بل يستفيدان من استمرارها ولو على حساب المدنيين هناك.
خامساً: يراد من غزوة موسكو أن تبعث برسالة هجومية واضحة، بأن مجريات حرب غزّة لم تجعل المجتمعات والحركات الإسلامية ذات الطابع السني تتّحد ضد الإسرائيلي والأمريكي، بل على العكس من ذلك، فكما أن السكوت الشعبي في دول التطبيع مع كيان العدو أوحى إلى استفتاء ضمني على تأييده، فإنّ حركاتهم (الجهادية المتطرفة) هي بدورها أيضاً انتقلت من السكوت إلى الهجوم ضد محور المقاومة.
سادساً: إضافة إلى ما أحدثته نتائج الانتخابات في روسيا من قلق كبير لدى الغرب الأمريكي وحلفه، سيّما، على جبهة أوكرانيا، يعاني بالمقابل الحلف الأمريكي غرقاً متزايداً في وحول الحرب على غزّة التي بدأت تراكم المزيد من خيبة قدرته على فرض حلول تناسبه، يترافق ذلك، مع تسرّب لمعلومات عن حصول محور المقاومة على أسلحة كاسرة للتوازن العسكري الاستراتيجي.