المؤرخ العرموطي/ لسنا بحاجة (الآن) إلى بناء عاصمةٍ جديدةٍ... وأُناشد أمانة عمَّان التوقف عن منح تراخيص لإنشاء مولات جديدة داخل العاصمة....صور
السادة مُلتقى الصابونجي الثقافي المحترمين.
السادة المؤرخون والكتاب والأدباء والمثقفون.
أيتها العمَّانيات... أيها العمَّانيون الكرام.
أيها الحفل الكريم.
... أُحيِّيكُم في هذا المساء العمَّاني الجميل من عمَّان أجمل عاصمة في الدنيا... سيِّدة الجميلاتِ وسيدةُ العواصمِ.
وسوف أبدأ محاضرتي ببيتٍ من الشعر من أشعار معالي الشاعر حيدر محمود:
أرخت عمَّان جدائلها فوق الكتفينفاهْتزّ المجد وقبلها بين العينين
... عمَّان مدينة التاريخ والحضارة... ربَّة عمون... فيلادلفيا/ مدينة الحُب الأخوي... مدينة الجبال السبعة... مدينة الأدراج... عرين الهاشمين وعاصمة المُهاجرين والأنصار.
... عمَّان الشامخة بتاريخها ورجالاتها...
... عمَّان التي لن تنحني إلا لله الواحد الأحد..
... وأنا لأنني عمَّانيٌّ حتى النُخاع، وبسبب عشقي ومحبتي لعمَّان فقد أصدرتُ موسوعةَ عمَّان أيام زمان... وأعتز وأفتخر باللقب الذي حصلت عليه (عاشق عمَّان).
ولقد أصبحت موسوعة عمَّان أيام زمان - بعد صدور الجزء 12 (الثاني عشر) الذي يتكون من 4 (أربع) مجلدات في أكثر من 2000 صفحةٍ - من الموسوعات العالمية الفريدة التي حوّلت الحلم إلى حقيقة.
فبعد عمل متواصل لمدة (15) خمسة عشر عاماً موصولًا ليلاً نهاراً أصبحت موسوعة عمان أيام زمان حقيقة، وهي تعد أضخم موسوعةٍ وسيرة مدينة في العالم العربي لا بل في العالم أجمع، وتكونت من 19 (تسعة عشر) مجلداً في أجزائها الإثني عشر بمجموع صفحات حوالي (10000) صفحة وتعتبر بلا شك إنجازاً أردنيًّا وعربيًّا غير مسبوق فلم تترك شاردةً ولا واردةً عن مدينة عمان مدينة الحلم والتاريخ إلا وذكرتها فهي تعتبر مرجعية لكل من يبحث عن معلومة عن عمَّان.
ولذلك فإن موسوعة عمان أيام زمان قصة وحكاية، وسيرة مدينة تستحق التدوين لما بذل فيها من جهدٍ وتعبٍ وصبرٍ وتفانٍ وإرادةٍ إلى أن أصبحت إضافةً قيّمةً للمكتبة الأردنية والعربية والعالمية.
أيتها الأخوات... أيها الإخوة الكرام...
في بداية المُحاضرة وقبل أن أبدأ الحديث عن عاصمتنا الجميلة عمَّان أرغب في التأكيد على نقطتين أعتقد أنهما في غاية الأهمية:
النقطة الأولى: وهي أنني ضد التوجه إلى بناء عاصمة جديدة بالقرب من عمَّان ... لذلك أنا (الآن) أُعارض هذه الفكرة لكن على المدى البعيد قد تكون مقبولة... والسبب في مُعارضتي لهذه الفكرة هو أنه لسنا بحاجة لأن تتضخَّم ديوننا بمبالغ ضخمة جديدة من المليارات، فبدلًا من بناء عاصمة جديدة بمبالغ خُرافية أقول بأنّ هناك مساحاتٍ واسعةً فارغةً من البناء لا زالت موجودة الآن في العاصمة عمَّان يمكننا استثمارها في بنايات سكنية ومشاريع إسكان، وكذلك أقول بأنه إذا اقتطعنا جزءًا من المبالغ الخُرافية من المليارات التي يُمكن أن نبني بها عاصمة جديدة فطبعًا ستكون هذه المبالغ ديونًا إضافيةً على الأردن الذي يئن من ضخامة الدين العام...
... أقول إذا اقتطعنا جزءًا من هذه المبالغ يُمكننا من خلالها مُضاعفة تحسين الخدمات المختلفة في العاصمة عمَّان، منها:
مضاعفة إنشاء الأنفاق والجسور التحويلية والجسور المُعلقة والأنفاق التي تخترق جبال عمَّان من الأسفل وإنشاء الشوارع (طابق ثاني) فوق الشوارع في قلب العاصمة عمَّان... والتوسع في شبكات النقل العام ومنها إنشاء شبكة (مترو الأنفاق) (Under Ground).... والتوسع في إنشاء الحدائق العامة والمسّطحات الخضراء... وتحسين الخدمات العامة على اختلاف أنواعها.
... أقول بكل أمانة بأننا لسنا بحاجة الآن إلى بناء عاصمة جديدة بمبالغ ضخمة من الديون من المليارات... وأُكرر بأننا نستطيع اقتطاع جزء من هذه المبالغ الضخمة التي سيتم رصدها لبناء عاصمة جديدة من أجل حل المشاكل المستعصية في العاصمة عمَّان، وإن ذلك برأيي أهم من بناء عاصمة جديدة سوف تجعلنا الديون التي سنحصل عليها نُعاني أكثر فأكثر.
النقطة الثانية: والكلام مُوجّه لأمانة عمَّان... حذرنا بالعقود الأخيرة مرارًا وتكراراً وقلنا: يا أمانة عمَّان لا تمنحوا تصاريح لإقامة المولات داخل الأحياء السكنية في عمَّان... لأن كل مول قد أقيم داخل عمَّان كان سببًا مُباشرًا في أزمات السير الخانقة في الأماكن المحيطة بهذه المولات... ويُمكنكم سيداتي سادتي أن تشاهدوا ذلك... كي تتأكدوا من كلامي فأقترح أن تمرّوا أمام هذه المولات في أوقات مختلفة على مدار اليوم حتى تتأكدوا من صِحَّة كلامي... لذلك نوجه النداء لأمانة عمَّان للمرَّة الألف: عليكم أن تتوقفوا عن منح تراخيص بناء المولات داخل العاصمة عمَّان... وإذا أردتم منح تراخيص جديدة فلا مانع بشرط أن تكون على أطراف عمَّان، مثلًا: على طريق المطار أو على أوتوستراد الزرقاء بعد منطقة ماركا، أو بعد منطقة الكمالية على طريق السّلط.
... وأقول بكُل أسف لا زالت أمانة عمَّان تمنح تراخيص لمولات جديدة داخل العاصمة حتى الآن...
... أيتها الأخوات... أيها الإخوة الكرام...
إن عمَّان التي اِتّخذها العمونيون عاصمةً لهم في جبل القلعة عام 1200 ق.م وبعد ذلك في سنة 313 ق.م استولى عليها بطليموس الثالث زعيم البطالسة حيث استبدل اسمها إلى فيلادلفيا – مدينة الحب الأخوي – ثم فتحها العرب المسلمون (سنة 14 هـ) بقيادة يزيد بن أبي سفيان ثم مرحلة صدر الإسلام ثم مرحلة الحكم الأموي ثم العباسي ثم العثماني ثم الدولة الأردنية الهاشمية الحديثة التي ابتدأت عام 1921م حتى الآن.
... وإن عمَّان كانت مدينة عامرة مأهولة بالسكان وفي عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان أنشا بها دار لسك النقود وهذا يدل على أهميتها... لكن في القرون الأخيرة ضربت عمَّان الهَزّات الأرضية وأصابها وباء الطاعون والكوارث الطبيعية.
... ونتيجة لذلك أصبحت عمَّان مدينة خاوية من السكان تقريبًا بسبب الزلازل والكوارث الطبيعية باستثناء عشائر بلقاوية عمَّان الذين كانوا يحيطون بعمَّان إحاطة السوار بالمعصم ويردون يوميًّا على سيل عمَّان من أجل إرواء إبلهم وماشيتهم... حتى مجيء الإخوان الشراكسة فكان الفوج الشركسي الأول عام 1878م عندما استوطن الشراكسة في البداية في المدرج الروماني وفي أسفل جبل القلعة – حي الشابسوغ -... علماً بأن السبب الرئيسي لاستيطان الشراكسة في عمَّان هو الماء أي سيل عمَّان وكان سيل عمَّان سببًا رئيسيًّا في اتخاذ عمَّان عاصمة للدولة الأردنية الهاشمية الحديثة علمًا بأن معظم عواصم العالم القديم قد بُنيت بجانب الأنهار وعمَّان لم تشُذْ عن هذه القاعدة فقد بنيت بجانب سيل عمَّان الهادر الذي كان أشبه بنهر وكان يُعرف بـ نهر عمَّان.
... أيتها الأخوات... أيها الإخوة الكرام...
عمَّان ... عاصمة الأردن، وارثة المجد والحضارات التي مرّت بها منذ العصر الحجري الحديث ... وشهدت مسيرة العاصمة عمَّان تطورًا كبيرًا في مختلف الميادين... ولقد تطوّرت من قريةٍ صغيرةٍ إلى عاصمةٍ حديثةٍ، ومن مجلسٍ بلديٍّ إلى ما يُعرف الآن بأمانة عمَّان الكبرى...
لقد تأسّست أول بلدية في عمَّان عام 1909م برئاسة المرحوم إسماعيل بابوق وهو من الإخوان الشركس .. بلديّة عمَّان لمّا تأسست كانت مساحتها بسيطة جدًّا من 2 إلى 3 كم2 فقط، بالشريط الضّيق حول سيل عمَّان .. أي تقريبًا من مبنى أمانة العاصمة الجديد في رأس العين إلى مبنى أمانة العاصمة القديم عند المدرّج الروماني فقط 2 إلى 3 كم2 وكان عدد سكانها يُقدر بألفي نسمة، بينما الآن تبلغ مساحة أمانة عمَّان الكبرى حوالي 800 كيلومتر مربع وعدد سكانها يقدر بحوالي 4 ملايين نسمة.... لمّا تولّى المرحوم إسماعيل بابوق رئاسة البلدية كان الحمل ثقيلًا والإمكانيات بسيطة ومتواضعة، فعمل على استئجار مبنى الأمانة في عمارة الجزيرة عند ساحة الملك فيصل _رحمه الله _ وبدأ في تكوين الجهاز الإداري في الأمانة، وحاول شق بعض الطرق كإيصال شارع الملك طلال إلى منطقة المهاجرين، وشارع الأمير محمد، وشارع الملك فيصل فكانت البدايات متواضعة في أمانة عمَّان ... وإذا أردت أن أذكر كيف هي البدايات في أمانة عمَّان ... فمثلًا عملية رصف الشوارع كانت يدويًّا بالحجر على الطريقة الإنجليزيّة، كما قاموا بعمل (حنفيات) ماء عند الجامع الحسيني من أجل مياه الشّرب وكذلك من أجل إرواء الدواب..... أيام زمان كان هناك في عمَّان مهنة تُعرف بالسقّا... كان السقّا يذهب إلى سيل عمَّان ويقوم بتعبئة قِرَبْ الماء على حمار وبعد ذلك يُحضر هذا الماء إلى بيوت عمَّان التي تطلب الماء من أجل الشرب والاستعمالات المنزلية مقابل دفع أجر للسقّا.... محرقة أمانة العاصمة التي كانوا يحرقون بها النفايات كانت في طلعة المصدار، وعملية إضاءة عمَّان في البداية كانت باستخدام فوانيس كاز تضيئها بلديّة عمَّان فلم يكن هناك كهرباء، فهكذا كانت البدايات...
... والآن سوف أنهي المُحاضرة بـ (الخلاصة)
عمَّان ما بين الأمس واليوم
تحليل عام -
عمَّان التاريخ والحضارة تعاقبت عليها حضارات العالم ومنها: حضارة الهكسوس والبابليين والفرس والأنباط والآشوريين والعمونيين وخلفاء الإسكندر المكدوني، والبطالسة، والرومان والبيزنطيين، فالحكم الإسلامي ابتداءً بصدر الإسلام والخلفاء الراشدين، ثم الخلافة الأموية فالعباسية، فالعثمانية... ثم حكم الأشراف من آل هاشم ابتداءً من عهد الملك المؤسس عبدالله الأول ابن الحسين -طيب الله ثراه- إلى عهد جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم -حفظه الله-.
... والشواهد الأثرية والتاريخية التي تدل على ذلك كثيرة مثل المدرّج الروماني وجبل القلعة وعين غزال وسبيل الحوريات ورجم الملفوف والجسور العشرة ومحطة عمَّان... وغيرها.
أُطلقت أسماء عديدة على عمَّان منها:
ربّة عمون: أي العاصمة أو دارة الملك وهذا الاسم أطلقه عليها العمونيون حيث اتخذوا من جبل القلعة عاصمة لهم... ربّة تعني دارة الملك أو العاصمة وفي العصر الإسلامي صار اسمها عمَّان.
فيلادلفيا: مدينة الحب الأخوي كما سماها البطالسة.
مدينة الأدراج: كانت الأدراج وسيلة للتنقل حيث كان يصعدها أو ينزلها أهل عمَّان.
مدينة الجبال السبعة: لأنّ عمّان –قديماً- بُنيت على جبال سبعة.
مدينة المهاجرين والأنصار: لأنها صورة حيّة للتآخي بين الشعب الفلسطيني والأردني وكذلك من أسماء عمَّان: عاصمة الوفاق والاتفاق، وعرين الهاشميين، والمدينة الحجرية.
تم تخطيط العاصمة بأسلوب المدينة الإسلامية... وذلك بأن يكون مركز المدينة المسجد الجامع وأمامه ساحة السوق، وقريباً منه دار الإمارة وحوله الخطط السكنية... فالأمر يتطابق في عمَّان، فمركز المدينة هو الجامع الحسيني الكبير، وأمامه ساحة السوق والأسواق التجارية، وقريباً منه على بُعد مئات الأمتار كانت دار الإمارة أي مكان إقامة الملك المؤسس (في البداية) عند المدرّج الروماني... وحولها الأحياء السكنية.
هذه إشارة واضحة إلى أن عمَّان تقع ضمن الأرض التي بارك الله حولها.
من يشتري الأرض في عمَّان سيندم ومن لا يشتري الأرض فيها سيندم... قول ينسبه البعض إلى جلالة الملك المؤسس عبد الله الأول ابن الحسين ويُردده الكثير من رجالات الرعيل الأول في عمَّان... ومعناه أن الأرض في عمَّان تُعتبر كنزاً ومن يملكها فهو رابح بالتأكيد... لذلك من يشترِ الأرض في عمَّان سيندم فيما بعد؛ لأنه لم يشترِ مساحة أكبر؟... ومن لا يشتري الأرض فيها سيندم؛ لأنه أضاع فُرصة تحقيق ربح ممتاز من خلال الارتفاع المستمر لأسعار الأراضي!!
(أيام زمان) كان عدد سكان عمَّان قليلًا والعمَّانيون يعرفون بعضهم البعض... وعندما يسيرون بالشارع أو ينزلون إلى قلب المدينة كانوا يُسلّمون على بعضهم البعض... وكنت لا ترى هذه الخلطة العجيبة من الجنسيات (كما هو الحال الآن) من مختلف أنحاء العالم!!
عمَّان قلب العروبة النابض وموئل أحرار العرب وهي عبارة عن (بارومتر) يتحرك سريعاً في المُلمّات، وكذلك دائماً مع فلسطين والجزائر والعراق وسوريا.
عمَّان القديمة كانت مدينةً وادعةً آمنةً مطمئنةً يسودها الأمن والسلام... وكانت العلاقات الأسرية والعائلية والاجتماعية دافئةً ورائعةً ونموذجيةً... على عكس الحال (الآن) حيث تتكون العمارة من عدة شقق قد لا يعرف الجار جاره.
سيل عمَّان كان من أهم معالم عمَّان (وكان أشبه بنهر) وتعيش به الأسماك... وبزوال السيل عن خارطة عمَّان بسبب جفافه نتيجة الشفط الجائر للمياه الجوفية وبعد سقف السيل فقدت عمَّان أجمل معالمها...
علماً بأن معظم عواصم العالم القديمة قد بُنيت بجانب الأنهار وعمَّان لم تشُذْ عن هذه القاعدة فقد بُنيت على ضِفاف سيل عمَّان.
الاقتصاد العمَّاني (أيام زمان) كان اقتصادًا مكتفيًا ذاتيًّا (اقتصاد الحاكورة) من حيث الثروة الحيوانية ومنتجاتها والدجاج والبيض وعمل ربّات البيوت (بدون خادمات) ومن حيث الحاصلات الزراعية الرئيسية... أما اليوم فكل شيء مستورد وتحول الناس إلى مجتمع موظفين.
شهدت عمَّان هجرات بشرية متعددة منها: هجرة الشراكسة منذ سبعينيات القرن التاسع عشر، وهجرة الأرمن مطلع القرن العشرين، وهجرة البشناق مطلع القرن العشرين... وهجرة الشعب الفلسطيني بأعداد ضخمة بعد نكبة عام 1948م وهجرة ثانية للشعب الفلسطيني بأعداد ضخمة بعد نكسة حرب حزيران عام 1967م، وهجرة اللبنانيين بعد الحرب الأهلية عام 1975م، وهجرة الأردنيين والفلسطينيين بعد أزمة الخليج عام 1990م، وهجرة العراقيين بعد حرب الخليج الثانية عام 2003م، والآن هجرة ضخمة من سوريا خلال السنوات الماضية بعد العنف والأحداث في سوريا... عمَّان عاصمة صديقة للجميع ينشدها كل من يبحث عن السلام والأمن والأمان.
أدَّت الزيادة الضخمة (غير الطبيعية) والمُتسارعة في عدد سكان عمَّان إلى إرباك المخططين الذين لم يتوقعوا هذه الزيادة المفاجئة.
عمَّان عبارة عن فسيفساء جميلة من الأعراق والديانات والإثنيات المختلفة انصهروا جميعًا وكوَّنوا النسيج العمَّاني... وفي ذلك إثراء للثقافة والحضارة والتنوُّع.
كان من أكبر الأخطاء التي تم ارتكابها في عمَّان تدمير الأراضي الزراعية والزحف العمراني عليها من خلال بناء العمارات وتدمير العمود الفقري للاقتصاد العمَّاني وهو (الزراعة) والأراضي الزراعية الخصبة الواسعة والأرض الحمراء ولا سيّما (مغاريب عمَّان)، التي كانت تُزرع بمختلف أنواع المحاصيل وكانت ترفد الاقتصاد الوطني بل كانت (أيام زمان) تفيض عن الحاجة ويتم تصديرها إلى خارج الأردن.
في العقود الأخيرة تم ارتكاب أخطاء جسيمة بحق الأماكن التراثية القديمة التي كان لها دورٌ كبيرٌ في تاريخ العاصمة عمَّان من خلال إزالة بعضها مثل: إزالة فندق فيلادلفيا، ومقهى حمدان، والحمام على جسر الحمام، ومضافة أبو صلاح الشربجي على سيل عمَّان...إلخ.
تم تجفيف سيل عمَّان... كما أن مصادر المياه في عمَّان بما فيها عيون الماء المعروفة شهدت نُضوبًا ملحوظًا في العقود الأخيرة.
من المتغيرات الجديدة التي طرأت على العاصمة عمَّان الارتفاع العمودي في طوابق البنايات بما في ذلك بناء الأبراج ذات الطوابق المرتفعة التي لم نكن نشاهدها في عمَّان القديمة وكذلك ظهور (المولات) والأسواق التجارية الضخمة.
من بين المتغيرات التي طرأت على المجتمع العمَّاني (ثقافة العيب) وعدم الإقبال على العمل اليدوي (في أحيان كثيرة) وتقوم العمالة الوافدة العربية والأجنبية بهذه الأعمال بعكس الحال أيام زمان، كما تم استقدام عاملات المنازل للقيام بالأعمال التي لم تكن تُعرف بالسابق.
من بين المتغيرات التي طرأت على المجتمع العمَّاني الزواج من غير الأقارب وكذلك الزواج من جنسيات أخرى عربية وأجنبية الذي كان في أيام زمان (على نطاق محدود).
غزو الحضارة ووسائل الاتصالات الحديثة (الهاتف الخلوي والإنترنت والكمبيوتر والتلفزيونات والفضائيات والأجهزة الحديثة... إلخ) العالم؛ فجعلت الشباب يبتعدون عن العلاقات الاجتماعية التي كانت سائدة في عمَّان (أيام زمان).
بمرور الزمن انقرضت الحيوانات والطيور البرية التي كانت تعيش في عمَّان (أيام زمان) وذلك بسبب الانفجار السكاني والزحف العمراني.
عمَّان (أيام زمان) كان الناس بمُستوى واحد (تقريبًا) ولم يكُن هناك فوارق طبقية تُذكر إلا في حالات نادرة... بينما اليوم تجد تفاوتًا طبقيًّا بين عمَّان الشرقية وعمَّان الغربية.
كان عدد السيارات محدودًا في عمَّان القديمة، أما اليوم فأعداد السيارات تُشكل أزمة حادة وتسعى الأجهزة المختلفة لإيجاد حلول لذلك من خلال الباص السريع وفتح الأنفاق وبناء الجسور.
كانت وسائل الاتصال محدودة في عمَّان (أيام زمان) أما اليوم ومع تقدم وسائل الاتصال والمواصلات فهناك نشاط كبير واتصال دائم مع كل شعوب الأرض.
أروقة المحاكم في عمَّان القديمة كانت تستقبل القليل من القضايا بينما تعجّ بالمراجعين هذه الأيام.
قفزة كبيرة في المجال الطبي في العاصمة عمَّان فقد كان الطب بدائيًّا في عمَّان أيام زمان وفي العشرينيات من القرن الماضي تم افتتاح (المستشفى الطلياني)... وبعد ذلك شهد القطاع الطبي نمواً ملحوظاً فتزايد عدد الأطباء وافْتُتِحَ عددٌ من المستشفيات....
شهدت عمَّان قفزة كبيرة في مجال التعليم والتعليم العالي:
كانت في عمَّان مدرسة متواضعة واحدة عام 1910م وبعد ذلك في عهد الإمارة تم افتتاح عدد من المدارس منها: المدرسة العسبلية والمدرسة العبدلية... وتم افتتاح أعداد كثيرة جداً من المدارس حتى أصبح للتعليم آثارٌ إيجابيةٌ كبيرةٌ على اقتصاد الأردن بعد أن أصبح هؤلاء الخريجون مصدراً للدخل وتحويلات العملات من الخارج... والآن هناك قفزة كبيرة بالتعليم ومنها ظهور المدارس الحديثة التي يقصدها الطلاب حتى من خارج الأردن ورافق ذلك افتتاح الجامعة الأردنية في مطلع الستينيات من القرن الماضي وإنشاء العديد من الجامعات الحكومية والخاصة.
من المظاهر والمفاهيم الجديدة في المجتمع العمَّاني ألعاب التسلية القديمة مثل: السيجة والمنقلة والسبع حجار وطابة الشرايط والغُمّاية والحجلة...إلخ واستبدالها بالألعاب الحديثة، ومنها: ألعاب الكمبيوتر والإنترنت.
العولمة أثرها واضح في المجتمع العمَّاني (الحديث) فنشاهد أثر ذلك على العائلة العمَّانية في كل شيء... في الملابس والعادات والتقاليد والطعام والمفاهيم الجديدة... إلخ. وهذا لم يكن معروفاً بالسابق.
أخذت المرأة تُنافس الرجل في المجتمع العمَّاني (الحديث) بالوظائف الهامة وبجميع الأنشطة في الحياة العامة... وأصبحت تتمتع بحقوق مُماثلة للرجل فأصبحت وزيرةً وسفيرةً ونائباً في البرلمان وبرتبة لواء في الجيش... بينما كان هذا الدور الذي تقوم به المرأة بنسبة أقل في مجتمع عمَّان أيام زمان.
أفرزت الحضارة الحديثة ومُتغيرات الحياة الجديدة في عمَّان، وخلطة السكان الجديدة طبقة من الموسرين والأغنياء لم تكن معروفة بالمجتمع العمَّاني القديم... وأفرزت المتغيرات الجديدة طبقةً كبيرةً من الفقراء.
من المظاهر التي طرأت على المجتمع العمَّاني تقلّص دور المقاهي -في أحيان كثيرة- واستبدالها بمقاهي الإنترنت والمقاهي التي ترتادها النساء والشباب من أجل تدخين الأرجيلة.
ومن المظاهر الجديدة في عمَّان استبدال التدفئة بواسطة الحطب بالتدفئة المركزية وصوبات الكهرباء والغاز.
ومنها انتهاء أو تقلُّص دور المختار ومؤشّر شرطة المرور والمسحَّراتي برمضان والعلاج بالكي والسحر والشعوذة.
ومنها انتهاء أو تقلُّص الدور الذي كانت تقوم به المضافة على عكس (أيام زمان) عندما كانت المضافات تلعب دوراً هاماً بالمجتمع العمَّاني.
ومن أخطر المشاكل على المجتمع العمَّاني (الحديث): الفقر والبطالة وتوفير المياه... وكذلك مشكلة العنف المدرسي والجامعي، ومشكلة تعاطي المخدرات (أحياناً) لدى فئة المراهقين والشباب... ولم تكن هذه المشاكل بهذه الدرجة (أيام زمان).
*** خُلاصة الخُلاصة أن هناك الآن عمَّان جديدة تختلف عن عمَّان أيام زمان من حيث المساحة وعدد السكان والشكل والمضمون... وهناك الآن مجتمع عمَّاني جديد يختلف عن المجتمع العمَّاني أيام زمان من حيث التركيبة السكانية والعادات والتقاليد والطبقات والثقافة وأسلوب الحياة... هذه التغيرات الكبيرة تُعتبر ظاهرة تستحق الدراسة.