يسعى جلالة الملك عبدالله الثاني جاهداً إلى تنبيه أبناء الأمة العربية والإسلامية بالأخطار والمنعطفات الصعبة ، والتي تتعرض لها أمتهم في هذه المرحلة المفصلية والحاسمة من تاريخها ، وبخاصة من هؤلاء الذين يدعون الانتساب إلى دين الإسلام ، ويقومون بأفعال غير مسؤولة بأسمه ومشينة پحقه .
وينصب جل أهتمام جلالة الملك عبدالله الثاني على أظهار الصورة الحقيقية المشرقة للدين الإسلامي الحنيف ، ودحض التجني والافتراء عليه ، والتصدي لكل الادعاءات والتعاليم الزائفة للمتطرفين والأرهابيين ، والذين يتسترون برداء الدين الإسلامي ، ويسعون إلى تلويث سمعة رسالته السمحة ، وذلك عن طريق التشكيك بالمباديء السامية والقيم النبيلة لهذا الدين القويم ، ومحاولة ألصاق تهم باطلة لا تمت بصلة إلى روحه الطاهرة النقية ، والتي تسعى إلى خير البشرية جمعاء .
ويرى جلالة الملك عبدالله الثاني أن الأمة الإسلامية قد تميزت عن غيرها من الأمم ، وذلك كونها أمة الوسطية والأعتدال والأتزان ، وأن ديننا الحنيف قد تفرد بالسماحة والرحمة واللطف واللين ، وقدم أروع صور التسامح والعدل وقبول الآخر ، ونبذ كل مظاهر العنف والتطرف ، ورفض كافة اشكال الغلو والتشدد ، والتي تفضي جميعها إلى الإرهاب والقتل والتدمير والخراب .
ومع هذا التوصيف الدقيق لهذه الأمة العظيمة والدين القويم ، فإن جلالة الملك عبدالله الثاني كقائد هاشمي ينحدر من سلالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، ومنذ تولي سلطاته الدستورية ، قد جاب مشارق الأرض ومغاربها ، محذراً ممن أسماهم بخوارج العصر ، والذين هم اقوام أضلتهم العماية فخالفوا مقاصد المشرع الحكيم ، وخرجوا عن المنهج الصحيح ، ونزغوا إلى الغلو والتشدد والإرهاب ، مما أعطى فرصة لأعداء الإسلام لشن حملات شرسة من الافتراءات الممنهجة والمزاعم الباطلة ، والتي أرادت أن تلصق بالإسلام تهمة التعصب والإرهاب ، وعدم التسامح والغلو والتزمت الأعمى والتشدد ، وغير ذلك من صنوف الادعاءات الكاذبة ، والتي ليس لها بدين الإسلام أية صلة ، وليس لها أصل في الشريعة الإسلامية ، ولا أية سند من واقع الإرث التاريخي المجيد لهذه الأمة الإسلامية العريقة ، والذي ينوف عمره عن ألف وأربعمائة وست وأربعين سنة هجرية تقريباً ، فهؤلاء قد أصبحوا عوناً لأعداء الأمة على تحقيق مرادهم في النيل من سمعة الإسلام والتنكيل بأهله .
ويؤكد جلالة الملك عبدالله الثاني أن التطرف والتعصب وما يتبعه من عنف وإرهاب - كان وما زال - سبباً في تلويث سمعة دين الإسلام الزاهية , وتشويه صورته الناصعة المشرقة ، وبالتالي الإضرار بمصالح الدعوة الإسلامية في الداخل والخارج ، كما كان سبباً مباشراً في زعزعة استقرار المجتمع المسلم الآمن وتهديد كيانه ، وإلحاق أضرار جسيمة بالغة باقتصاديات البلدان الإسلامية وأهدافها التنموية ، وانطلاقاً من هذه الرؤية الملكية الاستقرائية القويمة ، فإن التطرف والغلو هما خطر داهم يتربص بكيان الأمة الإسلامية برمتها ، وينبغي علينا سرعة التحرك لأجتثاث هذا الخطر من جذوره وقطع دابره والقضاء عليه .
وحري بنا في هذا المقام الإشارة إلى أن جلالة الملك عبدالله الثاني قد حذر أبناء الأمة مراراً وتكراراً ، من مخاطر مغبة الغلو في الدين ، مقتدياً بالنهج النبوي القويم ، والذي وصف هذا الأمر بجملة جامعة مانعة بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث نبوي شريف " إياكم والغلو في الدين ، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين" فهو هلاك حتمي ليس على مستوى الأفراد فحسب ، وأنما تطور وأصبح على مستوى الجماعات ، فهو هلاك للأنفس والممتلكات والبلاد والعباد .
ومن وحي ذلك التوجيه والهدي النبوي الشريف ، دعا جلالة الملك عبدالله الثاني في أكثر من مناسبة ، إلى ضرورة تلمس الوسائل المجدىة لمكافحة الغلو والتطرف ، وتحصين عقول الأجيال الصاعدة الشابة من مخاطر الأنزلاق في مهاوي مسالك الفكر المتطرف الهدام ، وأيجاد السبل الكفيلة لمحاربة خطاب الكراهية وبشتى الوسائل والسبل الممكنة ، وذلك من خلال بناء ثقافة الحوار البناء وأدب الأختلاف ، وتطبيع النفوس على قبول الآخر واحترام الرأي المخالف ، وترسيخ قيم التعددية والتعايش السلمي والتسامح ، ورفض الأنغلاق والانفتاح الواعي و المنضبط على مختلف الثقافات .
ليس هذا فحسب ، بل أن جلالة الملك عبدالله الثاني يدعو إلى الإقتداء بالنهج النبوي الشريف ، والذي يحض المسلمين - في كل عصر ومصر - إلى الأعتماد على مبدأ الرفق واللين والموعظة الحسنة في منهج الدعوة إلى الله - عز وجل - وتجنب الغلظة والعنف في التوجيه والتعبير ، واللجوء إلى الوسائل الأخلاقية والحضارية لتحقيق خير الناس وسعادتهم في الدنيا والآخرة ، وتحريم الأعتداء على أرواح وأموال وممتلكات المدنيين المسالمين والأبرياء العزل .
ويؤمن جلالة الملك عبدالله الثاني أن إحدى أهم الوسائل الناجحة والمؤثرة في الوصول إلى هذه الأهداف ، هي الحوار البناء والجاد مع المتطرفين ، فقد اختارت بعض الحكومات في الآونة الأخيرة استخدام القوة المفرطة ضد جماعات التطرف والعنف ، بينما اختارت البعض الأخرى أسلوب الحوار ، وقد برهنت التجربة أن الحوار قد كان أكثر تأثيراً وفعالية من استخدام القوة ، ذلك أن القوة تأتي أحياناً بنتائج سلبية ، وتزيد من الفكر المتطرف صلابة ومتانة ، بدلاً من القضاء عليه ، لذا وبتوجيهات ملكية سامية تم إطلاق رسالة عمان ، وذلك لتوضيح الصورة الناصعة النقية الحقيقة للدين الإسلامي الحنيف ، ولتغير النظرة النمطية المغلوطة لدى الغرب تجاه هذا الدين القويم ، والذي تصوره ظلماً وبهتاناً بأنه دين يشجع على القتل والإرهاب ، ويؤسس للغلو والتطرف .
ولعل أن مما يؤكد صحة ما ذهب إليه جلالة الملك عبدالله الثاني في دعوته إلى الحوار البناء مع المتطرفين ، هو أن الصحابي الجليل عبدالله بن عباس - رضي الله عنه - قد حاور الخوارج في ذلك العصر ، وبسبب هذا الحوار العقلاني الراشد ، قد عدل كثير منهم عن موقفهم المتزمت والمتطرف ،. وأنضموا إلى صفوف جماهير المسلمين ، وساروا في ركاب الدعوة الإسلامية .
وبناءً عليه ، حتى يومنا هذا يشدد جلالة الملك عبدالله الثاني على أن هناك ثمة حاجة ملحة إلى تفعيل آليات الحوار الهادف والبناء مع المتطرفين ، وذلك لتصحيح أفكارهم الخاطئة ومفاهيمهم المنحرفة ، وبالتالي تحويلهم إلى شريحة صالحة في المجتمع ، وهذا الأمر يستدعي بالضرورة أقصى درجات الوعي واليقظة والحس بالمسؤولية ، وتعزيز دور أهل الفكر والعلم ومراكز البحث والدراسات والمؤسسات الدينية والثقافية والأكاديمية ، في بلورة خطاب ديني راشد ومتزن ومعتدل ومستنير ، يعمل على تبيان حقيقة الدين الإسلامي الحنيف ورسالته السمحة .
وقد لفت جلالة الملك عبدالله الثاني الإنتباه ، إلى أن التطرف في الدين هو فهم النصوص الشرعية بعيداً عن المقصد الذي أراده المشرع ، وهذا التطرف يؤدي إلى إحدى النتيجتين المكروهتين ، وهما الإفراط والتفريط ، وهنا تتمثل مظاهر التطرف ، والتي تتجلى بتعصب الشخص لرأيه والتمسك به وعدم الأعتراف بالرأي الآخر أو قبوله ، وجموده على فهمه جمودأً لا يسمح برؤية واضحة لمصالح الخلق بشكل عام ، فالمتطرف كثيراً ما يجعل الأمور الاجتهادية أموراً مقطوعة ويقينية ، ليس فيها إلا قول واحد وهو قوله ورأيه فقط .
وبحكم ما أوتي جلالة الملك عبدالله الثاني من وعي وحكمة ، وإدراك عميق لمجمل الوقائع والمعطيات ، فقد وصف التعصب بأنه انغلاق المرء على عقيدته أو فكره ، واعتبار أن الآخرين جميعاً هم خصومه وأعداءه ، وتوجس الشر منهم وإضمار سوء النية لديهم ، وإشاعة جو من العنف والكراهية في نفوسهم ، مما يفقد الناس سبل العيش في أمان وأطمئنان وسلام ، وبناءً عليه يعتبر جلالة الملك أن التعصب ظاهرة دخيلة على مجتمعنا ويتعارض - كلياً - مع ثوابت الشريعة الإسلامية الغراء ، ويخالف أحكامها وتعاليمها السمحاء ، والتي ما تركت لا شاردة ولا واردة إلا وتصدت لها بما يقتضي ويستوجب .
ولم يغب عن بال جلالة الملك عبدالله الثاني لفت الإنتباه هنا ، إلى أن التطرف هو الانحياز إلى طرفي الأمر ، فيشمل ذلك الغلو الذي هو أخص منه في الزيادة والمجاوزة ، ليس بمجرد البعد عن الوسط إلى الأطراف ، أو بمعنى آخر يعتقد جلالة الملك أن كل غلو هو تطرف ، وليس كل تطرف بمثابة غلو ، ومرد ذلك كله عائد إلى أن الغلو أخص من التطرف ، والذي هو في حقيقة الأمر عبارة عن مجاوزة الحد والبعد - كل البعد - عن التوسط والأعتدال افراطاً أو تفريطا ، قال الله - تبارك وتعالى - في محكم تنزيل كتابه العزيز في سورة النساء ( يا أهل الكتاب لا تغلو في دينكم ) أي بمعنى أن لا تتجاوزوا المقدار أو الحد .
وأخيراً وليس اخراً يخلص جلالة الملك عبدالله الثاني إلى أن الإرهاب هو العدوان الذي يمارسه أفراد أو جماعات أو دول بغياً على الإنسان في دينه ودمه وماله وعرضه ، ويشمل صنوف التخويف والأذى والتهديد والقتل بغير حق ، وكل فعل من أفعال العنف أو التهديد يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي سواءً أكان فردي أو جماعي ، ويهدف إلى إلقاء الرعب وبث الذعر بين الناس ، أو ترويعهم بأيذائهم ، أو تعريض حياتهم أو حرياتهم أو أمنهم للخطر ، لكن الأمر الذي يؤكد عليه جلالة الملك أن الدفاع الشرعي عن النفس ورد كيد المعتدي ليس ارهاباً ولا تطرفاً ، بل هو حق من حقوق المسلمين المقدسة في الجهاد في سبيل الله لنصرة دين الحق ، ودحض التجني والمزاعم التي تلصق به ، لا سيما إذا كان خاضع للضوابط الشرعية التي قررها فقهاء الأمة وعلمائها .