ينطلق الشاعر والأكاديمي الجزائري الهواري غزالي في تحقيقه لكتاب "ما أتى به الوارد" من أن هذا النص من أهمِّ الفصول والرَّسائل التي ألَّفها الشيخ محيي الدين بن عربي لغرض تبيان طريقة السُّلوك، بناءً على معرفته العميقة بالكيمياء القديمة.
اشتمل الكتاب الصادر عن "الآن ناشرون وموزعون" في الأردن والمركز المتوسطي للدراسات الأندلسية، على مقدمة، ودراسة حول المخطوطات المحققة؛ مخطوطات رسالة "كتاب ما أتى به الوارد"، ومخطوطات قصيدة "كشف الأستار لخواص الأسرار"، ومخطوطة "شرح كشف الأستار لخواص الأسرار".
وأدرج المحقق لكتاب "ما أتى به الوارد" نسخاً مصورة لأول صفحة من المخطوطتين المعتمدتين؛ مخطوطة حيدر آباد، ومخطوطة دمشق. كما أدرج نسخاً مصورة لأول المخطوطات المعتمَدة لقصيدة "كشف الأستار عن خواص الأسرار"، ونسخة مصورة لأول المخطوط المعتمَد لـ"شرح قصيدة كشف الأستار لعبد الرحمن السويدي".
يوضح الهواري غزالي أن هذه الرسالة المحققة تحمل عنوانين: "كتاب ما أتى به الوارد"، و"المقنع في إيضاح السَّهل الممتنع"، وأن الرِّسالة عُرفت في أغلب مخطوطاتها بالعنوان الثَّاني، وهو عنوانٌ، كما يرى، ينسجمُ مع أسلوب ابن عربي في تخصيص عناوينه بالسَّجع الدالّ، أمَّا العنوان الأوَّل الذي تصدَّر مخطوطة "كتبخانة آصفيَّة" لحيدر آباد، فيكاد يكون منسجماً مع محتوى الكتاب، إذ إنَّ ابن عربي يرى أنَّ الكيمياء يتمُّ اكتِسابُها من خلال الوارد.
وضمّ الباحث إلى تحقيق هذه الرِّسالة قصيدة "كشف الأستار لخواصِّ الأسرار"، ورسالة بعنوان "شرح قصيدة كشف الأستار لخواصِّ الأسرار" لعبد الرَّحمن السُّويدي.
وأشار إلى أهمية العودة إلى أن رسالة "كتاب ما أتى به الوارد" تعد مفتاحاً أساسيّاً في علم الكيمياء الرُّوحاني عند بن عربي، فهي تحتوي على المضامين الأساسيَّة التي تناولها الكيميائيّون، موضحاً أنَّ المنهج في هذه الرِّسالة يرجع، خلاف منهج الكيميائيِّين في عمومهم، إلى مجالات من العلوم على غرار علم الحروف مثلاً، ويُسمَّى علم الحروف "علم السّيمياء"، وعادةً ما يُطلَقُ هذا المصطلحُ على علم الكيمياء أيضاً. وهو لدى ابن عربي مشتقٌّ من السِّمة، وهي العلامة؛ أي "علْم العلامات التي نُصبت على ما تعطيه من الانفعالات من جمع حروف وتركيب أسماء وكلمات".
يقول ابن عربي في كتابه: "العلم بالحروف مقدَّم على العلم بالأسماء تَقَدُّمَ المفرد على المركَّب؛ فلا يُعرف ما ينتجه المركَّب إلاَّ بعد معرفة المفردات التي تركَّبت عنها".
وبحسب المحقق، يعتمد ابن عربي في الكيمياء على تركيب الحروف الأبويَّة والمولودة من جهةٍ، وعلى تركيب الحروف التي هي أصل وجود الأجناس، فأمَّا الحروف الأولى فيُقصدُ بها المفردات كالزَّيبق والكبريت والتي يحصل عنها إنجابُ مفردٍ آخر هو الذَّهب. وأمَّا الحروف المركَّبة التي يُرمَزُ بها للمعادن فهي: الفاء للفضَّة، والذَّالُ للذَّهب، والنُّون للنُّحاس، والحاءُ للحديد، والقافُ للقزدير، والهمزةُ للأُسربِّ والرَّاءُ للرَّصاص.
يذكر أن الهواري غزالي كاتب جزائري ومترجم أيضًا وأستاذ محاضر بقسم الدراسات العربيَّة بجامعة باريس وباحث بمركز الدِّراسات الأدبية العالميَّة بالإينالكو بباريس. صدر له في الشّعر: "أناشيد النبوءات المتوحّشة" (الجزائر، 2009)، "قلبٌ لا يحسنُ التّصديق" (لبنان، 2013)، "للبحرِ صوتٌ آخر على جسر ريالتو" (الأردن، 2020)، "كتاب الغبطة المتصلة" (الأردن، 2021). كما صدرت له ترجمات شعريّة إلى العربيّة من بينها ترجمة الشّاعر الفرنسيّ جون بول ميشال: "هذا الحظّ وهذه النار" (المغرب، 2008).وصدرت له أيضًا -في إطار عملِه الأكاديميّ أستاذًا محاضرًا بقسم الدِّراسات العربيَّة بجامعة باريس- تحقيقاتٌ لدواوين شعريّة في غَرَضِ الصَّنعويّات، ودراساتٌ أخرى باللّغتين العربيّة والفرنسيّة.