قال أستاذ علم الاجتماع الدكتور منير كرادشة إن الأسرة الأردنية تشهد تحولات بنيوية عميقة نتيجة التغيرات الاجتماعية والاقتصادية المتسارعة التي تجتاح العالم.
وأوضح أن هذه التحولات لم تقتصر على إعادة تشكيل الأدوار التقليدية داخل الأسرة فقط، بل طالت طبيعة التنشئة الاجتماعية نفسها، إذ أصبحت الأساليب التربوية التقليدية عاجزة عن مواكبة التحديات الجديدة التي فرضتها التكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة.
وبين كرادشة أن الأسرة تواجه تحديات معقدة تستدعي إعادة النظر في أساليبها التربوية، مع التركيز على تعزيز الحوار الواعي مع الأطفال حول استخدام الإنترنت، مضيفًا أن المراقبة الذكية والتوجيه المستمر يُعدّان ضرورة لا غنى عنها لحماية الأطفال من المخاطر الرقمية، ولتهيئتهم لاستخدام التكنولوجيا كأداة للتعلم والنمو الشخصي.
ولفت الانتباه إلى أن الأسرة، التي كانت تقليديًا تمثل النسق الأساسي في عملية التنشئة الاجتماعية، قد انسحبت تدريجيًا من وظائفها التقليدية لصالح أنساق أخرى كنسق المدرسة ووسائل الإعلام الاجتماعي. وهذا التحول أحدث تغييرًا جذريًا في أساليب التنشئة، فلم تعد الأسرة تمارس سلطتها التقليدية بذات القوة، ما أثر على قدرة الأسرة على تشكيل شخصية الطفل بمفردها.
وأضاف كرادشة أن المدارس اليوم باتت شريكًا محوريًا في عملية التنشئة، إذ يمكنها تعويض هذا التراجع من خلال تنظيم أنشطة تربوية مبتكرة تسلط الضوء على مخاطر الاستخدام غير المسؤول للتكنولوجيا، مع تعزيز القيم الإيجابية التي تساعد على تشكيل وعي الأطفال بطريقة متوازنة، مشددًا على أن إدراك أولياء الأمور لدور التكنولوجيا في صياغة معالم شخصية أبنائهم بات ضرورة حتمية، إذ إن الاستخدام العشوائي وغير الواعي لهذه الوسائل قد يُفضي إلى نتائج كارثية على المستوى النفسي والاجتماعي.
وفي ظل هذه المتغيرات، أكد أهمية الشراكة المجتمعية بين الأسرة والمدرسة والمؤسسات المختلفة لدعم جهود التنشئة، داعيًا إلى إطلاق حملات وطنية شاملة تتعاون فيها المنصات الإعلامية والمؤثرون الرقميون لتوعية الأسر والمجتمعات بالمخاطر والتحديات التي تفرضها البيئة الرقمية.
وختم كرادشة حديثه بالتأكيد على ضرورة اليقظة الجماعية لفهم التحديات الظاهرة، وتلك الخفية التي قد تتركها هذه التحولات على الأطفال، مشيرًا إلى أن التنشئة في هذا العصر الرقمي تتطلب مقاربة شاملة متعددة الأبعاد تجمع بين الوعي التربوي، والتأهيل التكنولوجي، والتعاون المجتمعي لضمان تنشئة جيل قادر على مواجهة التغيرات المتسارعة والتفاعل معها بوعي ومسؤولية.