يكشف المحلل السياسي والعسكري د. أونين بيرغمان، عن الحكومة الإسرائيلية تخفي تفاصيل اتفاق وقف إطلاق النار مع حماس بسبب ما يتضمنه من تنازلات كبيرة.
ويبين الفرق بين الاتفاق الحالي والاتفاق الذي عرض في مايو/أيار 2024، وكذلك يناقش في بودكاست أجرته صحيفة يديعوت أحرنوت، السيناريوهات المحتملة لحكم حماس في قطاع غزة.
ورداً على سؤال ان كان مايك والتز، مستشار الأمن القومي المعين من قبل ترامب، يقصد ما يقوله عندما صرح أن حماس لن تسيطر على غزة، يوضح بيرغمان الذي يكتب أيضًا لصحيفة نيويورك تايمز أن المشكلة هنا هي ليست في وجود حماس، وانما ما هو البديل، فهل ستكون السلطة الفلسطينية؟ بمجرد أن لا يكون الأمر كذلك، فإننا سنبقى مع الخيارين السيئين الآخرين، الأول هو الحكم العسكري الإسرائيلي، والثاني هو حكم حماس، أو ادخال قوات متعددة الجنسيات، ولكن حماس لن تتخلى عن سلطتها.
ويشير إلى أن هذا من شأنه أن يؤدي إلى اندلاع معركة، وهو ما أجد صعوبة في تصوره. فالقوات المتعددة الجنسيات التي ستقاتل حماس لن تكون أقوى من الجيش الإسرائيلي، كما أن تدمير التنظيم أمر صعب، لذلك أمر جلب قوات متعددة الجنسيات هو اقترح لم يتبلور وربما يؤدي تطبيقه إلى تدهور الوضع وصوملة غزة.
جحيم لمن؟
وحول تهديد ترامب بفتح باب الجحيم في الشرق الأوسط في حال لم يتم وقف إطلاق النار، قال بيرغمان: "لست متأكداً من أن هذا التهديد من جانب ترامب كان له تأثير عملي مباشر على حماس".
ويضيف: "ماذا كان بإمكان ترامب أن يفعل؟ إرسال طائرات لقصف عزة؟"
ويستدرك قائلا: "غزة مدمرة جدًا. لا يوجد هناك شيء، لا يوجد مبنى واحد قائم. لذلك، لست متأكدًا أن الضغط كان على حماس بالذات. ولكن، في الواقع، كان هناك تأثير كبير جدًا على ثلاث جهات أخرى مشاركة في المفاوضات".
الأولى هي إسرائيل، والجانب الثاني هما المصريين والقطريين، اللذان كانا يريدان بشدة تحقيق تقدم، خاصةً بعد أن فهموا أن هذا مهم جدًا لترامب، الذي كان يُقال إنه يريد جائزة نوبل. لذلك، بذلوا جهدًا كبيرًا لإثبات أنفسهم لأنه كان الرئيس الجديد ويمسك بزمام الأمور".
وحول خروج عناصر كتائب القسام اثناء تسليم الأسيرات الثلاث في ساحة السرايا وإن كانت الحركة قادرة على تسويق ذلك كانتصار، يعتقد بيرغمان أن حماس يمكن أن تسوق ذلك لجمهورها، وخاصة لأعضاء حماس، على أنه انتصار. هذا انتصار جهادي.
ويضيف: "الآن، إذا كنا نتحدث عن الجهاد، فإن حماس حققت الإنجاز العسكري الجهادي الأهم ضد إسرائيل منذ خمسين عامًا على الأقل. لقد فعلت ذلك بوسائل أقل وعدد أقل من الأشخاص، ولكن الأثر كان واضحًا".
لكن أيضاً، الصور القادمة من غزة ستظهر الدمار الكامل. كنا أول من استخدم طائرة بدون طيار في جباليا ونشر الصور. إنها دمار شامل، لا يوجد مكان للعودة إليه. رأينا نفس الشيء في رفح وأجزاء كبيرة من مدينة غزة. هذا سيخلق تحديًا كبيرًا لإسرائيل، ولكنه أيضًا سيكون شاهدًا على كيف أن حماس لم تكن فقط تريد ضرب إسرائيل، بل كانت تسعى لخلق حرب إقليمية شاملة.
خفايا وقف إطلاق النار
وحول تشابه الاتفاق الذي وقع مؤخراً وبين الاتفاق الذي تم نقاشه في مايو/أيار 2024 لكنه لم ير النور، يوضح بيرغمان أن نص الاتفاق الحالي بين إسرائيل وحماس مطابق تمامًا للاقتراح الإسرائيلي في مايو/أيار. ويوضح: "ولا يجب أن نخلط الأمور: هذا ليس اقتراحًا قبلته إسرائيل، بل اقتراح قدمته إسرائيل كاستجابة لاقتراح من حماس في السادس من مايو. إنه نفس الشيء، وعندما تقرأه ستقول: "إنه بالفعل نفس الشيء". ولكن يجب أن نتذكر أنه بعد أن وصلت إجابة حماس على مخطط مايو، التي وصفتها الأجهزة الأمنية (الإسرائيلية) بأنها "جيدة جدًا"، كانت بمثابة خطوة نحو التوقيع. كانت أقرب نقطة بين الجانبين للوصول إلى اتفاق. قام القطريون بأخذ مخطط مايو وأخذ ملاحظات حماس وكتبوا مخططًا واحدًا صدر في الثالث من يوليو. كان هناك توافق على جميع البنود باستثناء البنود أربعة وخمسة التي تتعلق بآلية الإفراج وعدد الأسرى الفلسطينيين المفرج عنهم".
في هذا المخطط، قُسمت الصفحة إلى قسمين: يسار لإسرائيل ويمين لحماس. كانت هذه نقطة قريبة جدًا من الاتفاق، وكان الجميع متفائلين للغاية. ولكن في يوليو، أجبر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو رئيس الموساد على السفر إلى روما للقاء رؤساء المخابرات المصريين والقطريين والأمريكيين وتقديم ما سماه "رسالة التوضيح"، التي تضمنت تضخيمًا للعقبات والمشاكل. عادت إسرائيل وتراجعت عن أمور كانت قد وافقت على التنازل عنها، وهذا ما أفشل المفاوضات.
في الاتفاق الحالي، تنازلت إسرائيل بنسبة تقديرية تبلغ 95% عن المطالب الإضافية لنتنياهو، بما في ذلك محور نتساريم ومحور فيلادلفيا ومعبر رفح، وحجم المحيط، إلى ما لا نهاية.
وحول تصريحاته نتنياهو مراراً وتكراراً بأنه لن يكون هناك تنازل عن محور فيلادلفيا، وإن كان ذلك يتضمن تناقضاً، قال بيرغمان: "لا يوجد تناقض؛ هناك من يكذب. ليس فقط من يكذب، بل هناك محاولة من الحكومة لإخفاء الوثائق الأصلية عن الجمهور".
ويبين أن الحكومة الإسرائيلية نشرت قرارًا يوافق على الاتفاق. من يقرأ هذا القرار سيجد أجزاءً من الاتفاق منسوخة فيه، وأجزاءً مذكورة فقط برؤوس أقلام. مثلاً، المرحلة "ب" مكتوبة كمرحلة ب، والمرحلة "ج" مكتوبة كمرحلة ج، ولكن الاتفاق يحتوي على تفاصيل دقيقة. ولمنع الجمهور من معرفة ما تحتويه المرحلة ب أو المرحلة ج بالضبط، يشير قرار الحكومة إلى مجموعة الوثائق الأصلية التي وُضعت في أمانة الحكومة، والتي بالطبع لا يمكن لأي أحد الوصول إليها.
أما عن محور فيلادلفيا، فإن الاتفاق ينص على أنه في اليوم الخمسين من وقف إطلاق النار، أو بين اليوم الثاني والأربعين والثالث والأربعين حتى اليوم الخمسين، ستنهي إسرائيل إخلاء محور فيلادلفيا. هذا الأمر قائم بذاته وغير مرتبط بشيء آخر. وإذا قررت إسرائيل العودة للقتال في اليوم الثاني والأربعين، وهو أمر أستبعده لأن في هذا اليوم يُفترض أن يُفرج عن نصف (المختطفين) الأحياء ضمن هذه الجولة. ولكن لنفترض العودة للقتال في اليوم الثالث والأربعين، ستحتاج إسرائيل إلى إعادة احتلال غزة من جديد. ولكن إذا نظرنا إلى الاتفاق، فهو يحدد أمرًا واضحًا. من يدّعي عكس ذلك إما لا يعلم، أو يعلم أنه يقول أمورًا غير صحيحة ويستغل عدم كشف الوثائق للجمهور حتى الآن".
بالنسبة إلى عدد للإسرائيليين الذين سيُعادون، ادعى نتنياهو أنه عند تقديم الاقتراح في السابع والعشرين من مايو، كان العدد أقل بكثير من الأسرى الأحياء. كيف يمكن تفسير هذا الفارق؟، يقول بيرغمان: "إعادة 33 (أسيراً) أحياء وأموات، معظمهم أحياء. الكلمات التي توضح نوع المختطفين المفرج عنهم مطابقة تمامًا، نسخة طبق الأصل. حماس زعمت أنها لم توافق على تعريف من هو "المريض" ومن هو "الجريح"، وأن تعريفات إسرائيل غير مقبولة بالنسبة لهم. إسرائيل قالت إن 13 شخصًا تحت هذه الفئة. من بين هؤلاء الثلاثة عشر، نُقل اثنان إلى فئة أخرى وبقي 11. من بين الـ11، قُتل اثنان في نفق قرب تل السلطان، وبقي 9".
لإطلاق سراح هؤلاء التسعة، تراجعت إسرائيل عن موقفها الذي ينص على أنهم ينتمون إلى صفقة إنسانية، وأنه سيتم دفع ثمنهم بما يُسمى "ثمن إنساني" بين قوسين، وهو ثمن يقارب عددًا من الأسرى الفلسطينيين الذين هم في حالة إنسانية. وبدلاً من ذلك، لإطلاق سراح هؤلاء التسعة، أطلقت إسرائيل سراح 110 من "كبار الأسرى الفلسطينيين"، بالإضافة إلى ألف أسير فلسطيني كانوا قد تم اعتقالهم في الثامن من أكتوبر. هذا يُسمى مرونة، لكن كلمة "مرونة" قد تكون خفيفة، إذ أن هذا في الحقيقة يُعتبر تنازلًا إسرائيليًا عميقًا عن جميع النقاط التي كانت إسرائيل مُصرّة عليها سابقًا.
وهنا يبرز السؤال: هل كان هذا التنازل ضروريًا ومُستحقًا؟ وإذا كان كذلك، فلماذا لم يتم في وقت سابق؟
يقول: إحدى الحجج التي تُطرح هي أنه بين مايو والوقت الحالي، عملت إسرائيل بطريقة صارمة جدًا في الشمال ضد حزب الله ومحور الشر الإيراني. وبذلك، إذا كان قد تم توقيع الصفقة في مايو، لما كان بالإمكان رؤية الضربة الكبيرة التي تلقاها حزب الله. ولكن هذا الادعاء يسقط منطقيًا في ذاته. فمن جهة، هناك من يقول إنه لم يكن هناك أي اتفاق في مايو، ومن جهة أخرى، هناك من يقول إنه إذا كان قد تم توقيع الاتفاق في مايو، لما حدثت الضربة الشديدة التي تعرض لها حزب الله".
ويضيف: "لو كان قد تم التوصل إلى الصفقة قبل ذلك، أو إذا لم تكن إسرائيل قد انغرست في مستنقع غزة دون وجود حل سياسي لما بعد الحرب، لكان من الممكن التوجه إلى الشمال قبل وقت طويل. بالنهاية، دخل الجيش الإسرائيلي في معركة كان من المفترض أن تستمر 68 يومًا لتحقيق سيطرة عملياتية في غزة. ومع ذلك، على الرغم من أننا سمعنا مرارًا وتكرارًا أنه قد تم القضاء على حماس، لا تزال هناك مناطق بأكملها لم يتم فيها تحقيق سيطرة عملياتية".
"هذا الأمر لا ينبع من فشل الجيش الإسرائيلي، وإنما من غياب مسار سياسي دبلوماسي يُفضي إلى تسوية ليوم ما بعد الحرب، ويُتيح وجود بديل مستدام. وحتى يتحقق ذلك، وهو برأيي لن يحدث دون مشاركة مركزية ومهمة من السلطة الفلسطينية، سيبقى الوضع كما هو عليه، ويتابع بيرغمان: "لو كانت إسرائيل قد أنجزت الحل السياسي، لكان بالإمكان التوجه إلى الشمال قبل ذلك بكثير. وبالتالي، فإن الادعاء الذي يُشير إلى "رؤية مسبقة للأحداث" ليس منطقيًا. لم يكن هناك أي حديث عن مثل هذا السيناريو في مايو، ولذلك فإن هذا الادعاء ليس جديًا".
لا عودة للحرب
وحول إمكانية عودة إسرائيل للحرب كما فعلت في نوفمبر 2023، قال بيرغمان: "سيكون من الصعب جدًا، أو حتى من المستحيل، أن تعود إسرائيل للقتال بعد الدخول في وقف إطلاق النار. هذا الأمر لن يبدو معقولًا لمعظم الناس الذين يفهمون الموقف".
ويضيف: "إذا كان هذا هو الوضع، فإن هناك إمكانية لاتفاق ثانٍ. لكن لأن هذا الإطار مليء بالمشاكل والمخاطر أكثر من الحلول، فمن الصعب معرفة ما سيحدث. بالإضافة إلى ذلك، بسبب القيود السياسية الداخلية التي فُرضت على فريق التفاوض، تم صياغة هذه الصفقة بطريقة قانونية غير مثالية".
ويقول: "على سبيل المثال، ورد في النص أنه في صباح اليوم التالي سيكون هناك "توقف للعمليات العسكرية" في قطاع غزة. لكن النص لم يُحدد ما الذي يُعتبر "عملية عسكرية". هل يعني ذلك أنه إذا قررت إسرائيل مهاجمة مخزن أسلحة مثلاً، فسيُعتبر ذلك انتهاكًا للاتفاق؟".
ويختتم حديثه: "بناءً على الوضع الحالي، يبدو أن هناك تقدمًا في المفاوضات، وهناك إمكانية واقعية لتحقيق صفقة ثانية، وإطلاق سراح جميع الأسرى. ومع ذلك، يجب أن يتضمن ذلك حلًا شاملًا وطويل الأمد لغزة، بحيث لا تظل تحت حكم حماس، بل تحت نظام يستطيع أن يحافظ على الاستقرار في المنطقة المنكوبة والمدمرة"