في سماء الإعلام العربي، هناك نجوم سطعت بأدائها المتميز، ومسيرتها الحافلة بالعطاء، ومن بينهم الإعلامي القدير زهير عبد القادر، الذي كرّس أكثر من خمسين عامًا لخدمة الميكروفون، متنقلًا بين الأردن وألمانيا، مؤمنًا برسالة الإعلام ومتفانيًا في عمله، ليصبح أحد أبرز الإعلاميين الذين رسموا ملامح المشهد الإعلامي العربي في الداخل والخارج.
البداية من عمّان.. عشق الميكروفون منذ الصغر
وُلد زهير عبد القادر ونشأ في الأردن، حيث كانت بداياته الإعلامية الأولى في إذاعة عمان، عقب تخرجه من الجامعة الأردنية عام 1971. منذ نعومة أظافره، كان شغوفًا بالكلمة، محبًا للإذاعة، وهو ما جعله يلتحق سريعًا بصفوف الإعلاميين الطموحين الذين سعوا إلى نقل الحقيقة بصوت واضح وجهد دؤوب.
محطات بارزة في الإذاعة الأردنية
في تلك الفترة، بدأ عبد القادر إعداد وتقديم البرامج الإذاعية التي لاقت استحسان الجمهور، ومن بين تلك البرامج التي اشتهرت في إذاعة المملكة الأردنية الهاشمية:
"لقاء الشباب"، وهو برنامج كان يشارك فيه عدد من الإعلاميين الشباب، من بينهم الدكتور عصام زواوي، الذي كان شاهدًا على بدايات عبد القادر وتألقه في المجال الإعلامي.
"الشرطة في خدمة الشعب"، وهو برنامج مجتمعي سلط الضوء على دور الأمن العام وعلاقة الشرطة بالمواطنين.
"الإذاعة في خدمتك"، وهو برنامج شارك في تقديمه إلى جانب الإعلامية القديرة ليلى القطب.
كان زهير عبد القادر نشيطًا وحيويًا، يتنقل بين استوديوهات الإذاعة والميدان، يحمل الميكروفون وجهاز التسجيل، متنقلًا في شوارع عمان لإجراء اللقاءات الصحفية، بحثًا عن الأخبار ونقل صوت الشارع الأردني عبر الأثير.
الانتقال إلى ألمانيا.. مسيرة حافلة في الإعلام الدولي
في عام 1976، حمل زهير عبد القادر طموحه الإعلامي وسافر إلى ألمانيا، حيث التحق بإذاعة "صوت ألمانيا" (دويتشه فيله)، ليبدأ رحلة جديدة من التألق والنجاح في الإعلام الدولي.
إعلامي بارز في "صوت ألمانيا"
عمل هناك مذيعًا ومحررًا، حيث قدم العديد من البرامج المهمة، ومنها:
"تحيات من ألمانيا"، وهو برنامج كان يربط أبناء الجالية العربية في أوروبا بأوطانهم.
"قصة نجاح"، حيث كان يستضيف شخصيات عربية ناجحة ويروي قصص نجاحهم في المهجر.
لم يقتصر دوره على تقديم البرامج، بل أصبح محاضرًا في مركز التدريب الدولي التابع للحكومة الألمانية، حيث ساهم في إعداد وتدريب كوادر إعلامية من عدة دول عربية، من خلال دورات تدريبية امتدت بين 3 إلى 13 شهرًا، نقل خلالها خبراته إلى أجيال جديدة من الإعلاميين العرب.
مراسل وكاتب.. دور محوري في الإعلام العربي بألمانيا
لم يكن عمل زهير عبد القادر مقتصرًا على الإذاعة، بل تولى مسؤوليات إعلامية أخرى، حيث شغل منصب مدير مكتب وكالة الأنباء الأردنية في ألمانيا، وكان في الوقت ذاته مراسلًا للإذاعة والتلفزيون الأردني، يغطي الأحداث ويقدم تقارير إعلامية مهمة عن الجالية الأردنية والعربية في أوروبا.
وفي إطار سعيه لتعزيز التواصل بين أبناء الجالية الأردنية في ألمانيا ووطنهم، أسس موقع "البيت الأردني"، وهو أول موقع إخباري باللغة العربية في ألمانيا، والذي جذب عددًا كبيرًا من المتابعين في أوروبا والعالم العربي، وساهم في تبادل الأخبار وتعزيز الروابط بين أبناء الجالية الأردنية في المهجر.
كما تولى زهير عبد القادر رئاسة الجالية الأردنية في ألمانيا، وانتُخب عضوًا في مجلس إدارة اتحاد الإعلاميين الأجانب في ألمانيا، حيث كان له دور بارز في دعم الإعلاميين العرب في أوروبا، وتمثيلهم في المحافل الدولية.
العودة إلى الأردن.. تدريب الأجيال الجديدة
في عام 2012، عاد زهير عبد القادر إلى وطنه الأردن، بعد رحلة طويلة من النجاح في المهجر، ليواصل مسيرته الإعلامية من مركز التدريب الإعلامي التابع لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون الأردنية، حيث عمل مدربًا لكوادر إعلامية أردنية بين عامي 2012 و2017.
مستشار إعلامي ومساهم في تطوير الإعلام الأردني
لم يتوقف عن العطاء، فقدّم استشارات إعلامية لعدد من المؤسسات الإعلامية، وساهم في تطوير البرامج التدريبية للإعلاميين الجدد، مستفيدًا من خبرته الطويلة في المجال.
لقاءات مع شخصيات بارزة
على مدار نصف قرن من العمل الإعلامي، أجرى زهير عبد القادر لقاءات مع العديد من الشخصيات البارزة عالميًا وعربيًا، وكان له شرف مقابلة المغفور له الملك الحسين بن طلال، كما أجرى لقاءات مع جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين، إلى جانب مقابلات مع مسؤولين وقادة عالميين.
تكريم وجوائز.. فارس الإعلام الريادي
تكريمًا لمسيرته الحافلة، حصل زهير عبد القادر على عدة أوسمة وجوائز، كان أبرزها لقب "فارس الإعلام الريادي"، الذي منحه له معهد الرياديين والمبدعين العرب وملتقى الإعلاميين والرياديين والمبدعين العالمي، تقديرًا لجهوده في الإعلام العربي والدولي.
شخصية إنسانية.. إعلامي وقلب ينبض بالمحبة
بعيدًا عن الميكروفون والكاميرات، كان زهير عبد القادر شخصية إنسانية راقية، يعشق التواصل مع الناس، يحمل في داخله حبًا كبيرًا لوطنه وأبناء شعبه، ويؤمن برسالة الإعلام كأداة لنشر المعرفة والتواصل الثقافي.
عشقه للوطن.. الأردن لم يغادر قلبه
رغم السنوات الطويلة التي قضاها في ألمانيا، إلا أن الأردن ظل دائمًا في قلبه، وكان دائم الحنين إلى أرضه ووطنه، ليعود إليه في كل فرصة ممكنة، ويشارك في دعم الإعلاميين الجدد، ساعيًا إلى بناء جيل جديد من الإعلاميين الملتزمين بالمهنية والمسؤولية.
زهير عبد القادر أسطورة إعلامية حية
زهير عبد القادر لم يكن مجرد إعلامي تقليدي، بل كان رائدًا في مجاله، أسس لمسيرة إعلامية حافلة بالنجاحات، تاركًا بصمة واضحة في تاريخ الإعلام الأردني والعربي. هو ذلك الصوت الذي ظل وفيًا للميكروفون، والذي حمل رسالته الإعلامية بكل إخلاص واحترافية، متنقلًا بين عمان وبرلين، حاملًا معه شغفه بالكلمة، وإيمانه العميق بأن الإعلام رسالة سامية، وليس مجرد مهنة.