في زمنٍ تتسارع فيه المعلومة وتتبدل فيه الأصوات، يبقى صوت الإعلامي الأردني نبيل أبو عبيد علامة فارقة في المشهد الإعلامي العربي، بصوته العميق ذي النبرة الفريدة، وبحضورٍ لغويٍ موسوعيٍ جعل من الكلمة رسالة ومن الأداء فناً.
صوتُ وطنٍ وأمة
ولد نبيل محمود سليم أبو عبيد عام 1967، وبدأ رحلته مع المايكروفون منذ العام 1986، حيث التحق بالإذاعة الأردنية، ليشق طريقه بثبات في عالم الإعلام الإذاعي والتلفزيوني. وعلى مدار أكثر من ثلاثة عقود، لم يكن مجرد مذيعٍ أو قارئ نشرات، بل كان صوت دولة، يرافق المستمعين في أفراحهم وأتراحهم، ناقلاً صوت الأردن إلى أرجاء الوطن العربي.
قراءة لا تُنسى
اشتهر أبو عبيد بامتلاكه أكبر عدد ساعات قراءة في الوطن العربي، وهو رقم لم يأتِ من فراغ، بل من التزامٍ نادر، وتفانٍ طويل في إيصال المعلومة بأسلوب مشوّق ومؤثر. وبصوته الذي يأسر الأذن، دخل قلوب المستمعين، ورافق الأحداث الوطنية المفصلية، من بينها تغطيات مهيبة مثل جنازة الملك الراحل الحسين بن طلال.
من الإذاعة إلى الدبلجة
إلى جانب عمله الإذاعي، دخل أبو عبيد عالم الدبلجة والتعليق الصوتي من أوسع أبوابه. فكان من أوائل الأردنيين الذين رفعوا من شأن الصوت المدبلج محلياً، ليغدو الصوت الأردني منافساً عربياً يحظى بالاحترام والطلب. وشارك في دبلجة عشرات المسلسلات الوثائقية والرسوم المتحركة، محتفظاً بشخصيته الصوتية المستقلة.
أكاديمي ومثقف سياسي
لم تقتصر مسيرة أبو عبيد على الأداء الصوتي، بل اتكأت على قاعدة علمية رصينة؛ فهو حاصل على ماجستير في الإعلام السياسي، وعلى درجة البكالوريوس في الصحافة من جامعة اليرموك. هذا البعد الأكاديمي أضفى على أدائه الإعلامي عمقاً ووعياً، فكان يجمع بين التكنيك المهني والفهم السياسي، وهو ما ميزه عن كثير من زملائه.
نهاية فصل وبداية أثر
في سبتمبر 2021، ودّع نبيل أبو عبيد ميكروفون الإذاعة الأردنية بعد 30 عاماً من الخدمة. لكن رحيله لم يكن غياباً، بل بداية لأثرٍ دائم. فقد ترك إرثاً مهنياً وأخلاقياً يُدرَّس، وسيرةً إعلامية ستبقى مرجعاً للأجيال القادمة من المذيعين والمهنيين.
نبيل أبو عبيد ليس مجرد مذيع أو مدبلج، بل مدرسة صوتية كاملة، ورمزٌ أردنيٌ حمل رسالة الإعلام بشرف ومهنية، وأسهم في رسم ملامح الصوت العربي الأصيل. هو حالةٌ فريدة، ومثالٌ حي على أن الصوت قد يصنع مجداً لا يغيب.