مسكين أحدهم، كتب منشورًا على صفحته يبدي فيه إعجابه وحبه لــ اللون «الأصفر»، هذا الرأي البسيط، ما لبث أن أصبح قنبلة موقوتة، جرفت الآراء صوب دفاع مستميت وجد فيه «الناشر» نفسه مضطرا للدفاع عن نفسه ضد كوكبٍ من محبي اللون «البرتقالي».
اليوم، في زمن السوشال ميديا، أصبح الجدال رياضة يومية. لكن بدون مدرب أو قواعد، أو عضوية نادي! كل لاعب، أقصد مستخدم!، يحاول تسجيل هدف في رأي الآخر، وينتهي الأمر بأن الجميع خارج الملعب.
لا تقلق إذا كنت لا تستطيع الجري أو ممارسة الرياضة، فبإمكانك ممارسة «رياضة الجدال» على المواقع، فقط افتح تطبيقك المفضل وابدأ الجري، وابقَ مستعدًا للركض وراء تعليقات لا تنتهي! ستشعر بأنك في ماراثون عقلي. تجد نفسك محاصرًا في دائرة لا نهاية لها من التعليقات. وتجد نفسك مثل شخصية في لعبة فيديو تحاول الهروب، لكن اللعبة تزداد حصارًا لك وتربصًا بك!. أو مباراة ملاكمة، الضربة الأولى هي :» مع احترامي لك، لكن، دعني أخالفك الرأي» ، وبعدها يبدأ الضرب في كل الاتجاهات.
الجدال على المواقع يشبه الجلوس على طاولة الطعام العائلية وبدء نقاش، لا أحد يعرف كيف بدأ، ولكن في النهاية ينتهي الجميع بالشعور بالجوع.
لا أحد يصغي، الجميع يريد أن «يربح». لكن ماذا نربح فعلًا؟
لا أحد يسمع ليفهم، الكل يسمع او حتى لا ينصت ..ليرد.
السوشال ميديا اليوم ساحة للمنافسة على من يملك الحق الأكثر، ومن يملك الصوت الأعلى. أشبه بسباق سيارات، لكن لا أحد يملك سيارة سباق ولا حتى الطريق! فقط أصوات محركات وهمية وتراكمات غير منتهية من التعليقات.
في أغلب الأحيان، لا تقتصر الردود على الرأي المقابل، بل تتسارع لتصل إلى التجريح الشخصي. فالجميع يحاول أن يكون البطل، وأن يُظهر كم هو «أكثر دراية» أو «أكثر واقعية» من الآخر. هذا النوع من التفاعل قد يتسبب في تضخيم الخلافات وتوسيع الفجوة بين الناس، بل وتحويل النقاشات الفكرية إلى معارك لفظية لا تنتهي. خصومة وعداوة ومزيد من رقع التشتت.
«في زمن السوشال ميديا، يجند الكل مجهودهم للمشاركة في هذه الرياضة، رياضة الجدل العقيم، و لا يوجد فائز هنا سوى الوقت الضائع.
أتذكّر جدتي – رحمها الله – كانت امرأة حكيمة، لم تُكمل تعليمها، لكنها كانت تملك فطنة تفوق الكتب. حين كنتُ أغضب وأصرّ لأثبت أنني على حق، كانت تقول لي بنبرة هادئة: «يا جدتي، الكلمة إذا خرجت لا ترجع، وإذا اشتدّ الحبل انقطع».
في صغري، لم أفهم قصدها. لكنني اليوم، كلما هممت بالدخول في نقاشٍ حاد، تذكرت وجهها ونصيحتها، فأبتسم وأصمت.
أتذكر أكثر أنني لا أحب هذا النوع من الرياضة. رياضة بلا قواعد أو حكام، هذه رياضة الأفضل ألا تمارسها، بل أن تتجنبها.