في وقتٍ تتكالب فيه المحن على أمتنا، وتُذبح فيه غزة صباح مساء، يخرج علينا من يدعو إلى "عصيان مدني” في الأردن، تحت شعار نصرة أهلنا هناك. دعوة ظاهرها الغيرة، وباطنها الفتنة. دعوة تُراد بها زعزعة الأمن، وتعطيل الحياة، وزرع الشكوك في نوايا دولة لم تقصر يومًا في نصرة فلسطين، حكومةً وشعبًا، قيادةً وجيشًا.
الأردن، الذي فتح قلبه وحدوده، واحتضن الملايين من أشقائنا الفلسطينيين، لم يكن يومًا متفرجًا. بل كان في قلب المعركة، حارسًا للقدس، وناقلًا للمساعدات، وصوتًا شريفًا في المحافل الدولية. وهل ننسى موقف جلالة الملك عبدالله الثاني، الذي قال بملء الصوت إن تهجير الفلسطينيين من أرضهم "خط أحمر”، ورفض الضغوط ووقف في وجه الابتزاز؟
أما الشعب الأردني، فهو عمق فلسطين الشعبي والتاريخي. خرج بمسيراته، تبرع بماله ودمه، رفع علمها في كل حي وشارع، وأبناء الجيش الأردني ارتقوا على ترابها. فهل جزاء هذا الوفاء دعوة مشبوهة لتعطيل الوطن وإرباكه؟!
العصيان ليس حلاً، بل ثغرة ينفذ منها أعداء الأمة. نحن بحاجة إلى وحدة الكلمة، ورص الصفوف، والتضامن الحقيقي لا الفوضى. المطلوب اليوم أن نكون يداً واحدة، نقف خلف جيشنا وقيادتنا، نُغيث غزة بالدعاء والدعم، لا بتعطيل المصالح، ولا بتهديد الاستقرار.
نقولها بوضوح: لا لعصيان يمزق نسيجنا، نعم لحراك وطني منظم، مسؤول، يعبر عن موقف الأردن الثابت دون المساس بأمنه. فغزة لن تُنصر بالفوضى، بل بالقوة المتماسكة، وبالظهر المسنود، وها هو الأردن، الواقف كالسيف، لا يزال أقوى أسنادها.
ليعلم من يهمه الأمر: هذا الوطن ليس ساحة للتجارب. هو قلعة حصينة، وقيادته حكيمة، وشعبه أوفى من أن ينجرّ خلف دعوات ظاهرها الحرقة وباطنها السمّ. حفظ الله الأردن، وحفظ أهلنا في غزة، وجعلنا جميعًا صفًا واحدًا في وجه الباطل