أمس الأربعاء الموافق 17 أيلول 2025م جرى توقيع اتفاقية دفاع مشترك بين السعودية والباكستان وكان مما نصت عليه هذه الاتفاقية (أي اعتداء على أي من البلدين هو اعتداء على كليهما)،
بتاريخ 22 شباط 2016 نشرت تحليلاً مطولاً بعنوان (هل تمتلك السعودية أسلحة نووية؟) أوضحت فيه اهتمام السعودية بالتكنولوجيا النووية والذي يعود إلى سنة 1974م عندما أطلع رئيس وزراء الباكستان ذو الفقار علي بوتو الملك فيصل بن عبدالعزيز (رحمهما الله) على خطورة البرنامجين النوويين لإسرائيل والهند، وأنهما (يستهدفان العالم الإسلامي)، حيث قامت السعودية من حينها بتمويل كامل البرنامج النووي الباكستاني والذي اسفر بتاريخ 13 أيار 1998 عن أول تفجير نووي إسلامي، وقام الملك فهد (رحمه الله) بتقديم المضلة السياسية للباكستان من خلال علاقاته مع الإدارة الامريكية بتجنيب تعرض الباكستان إلى عقوبات دولية، وقد قدمت بالتسلسل التاريخي ما يثبت أن (امتلاك السعودية للسلاح النووي قد تجاوز مرحلة الاحتمال أو الممكن) وخلصت من خلال التحليل إلى أن (السعودية لديها حصة ثابتة من ترسانة الرؤوس النووية الباكستانية البالغة 160 رأس نووي، وأنها يمكنها متى شاءت أن تحصل على حصتها تلك).
عودة إلى الاتفاقية الدفاعية المذكورة في البداية، لا شك بان كل من السعودية والباكستان قد واجهتها مؤخراً أحداثاً استشعرتا من خلالها خطورة ما يجري من أحداث حولهما، فالباكستان خاضت مواجهة عسكرية مؤخراً مع الهند (الجارة النووية) وعلى الرغم من تمكنها من التصدي للهجوم الهندي العسكري إلا أنها قد تعرضت إلى خسائر ليست بالقليلة، في نفس الوقت فإن الهجوم الإسرائيلي على الأراضي القطرية شكل جرس انذار للسعودية بأن إسرائيل (ومن خلفها الولايات المتحدة) مستعدة لتجاوز كل الحدود وأن كل الاتفاقيات والتعاون العسكري مع أمريكا والدول الغربية لن يعصم أي من دول الخليج من التعرض للاعتداء من قبل اسرائيل كما حصل مع قطر، وكل من الهند وإسرائيل تشتركان في نفس الذريعة والحًجة لشن هجومهما، فالهند تذرعت بالحركات الإرهابية وانها تسعى إلى حفظ امنها فهاجمت الباكستان وإسرائيل تذرعت بنفس الحجة لمهاجمة قطر، وبالتالي فإن تفعيل السعودية لتحالفها المستمر من عقود مع الباكستان في هذه اللحظة وجعله وثيقة رسمية معتمدة وملزمة، هو رسالة واضحة وصريحة من قبل السعودية يشير بكل وضوح إلى ان السعودية (ليست مستعدة للاكتفاء بالشجب والتنديد إلى تعرضت إلى هجوم إسرائيلي) وأن الترسانة النووية (الباكستانية-السعودية) سيتم اللجوء إليها للردع أولاً ضد أي هجوم إسرائيلي، وللردع ثانياً بعد الرد على أي هجوم إسرائيلي.
الاتفاقية الدفاعية السعودية-الباكستانية هامة لكلا البلدين في مواجهة أعدائهما (الهند وإسرائيل)، الدولتان اللتان حذر الرئيس ذو الفقار علي بوتو سنة 1974 الملك فيصل من أنهما (تستهدفان العالم الإسلامي)، وهذ اتفاقية هامة جداً، ولكن يمكن أن تكون أكثر قوة وردعاً لو توسعت لتشمل دول أخرى ذات ثقل إقليمي.
بتاريخ 20 حزيران 2023 كتبت مقالة بعنوان (منظمة التكامل الاقليمي. . الحلم الممكن) وجاءت رداً على انضمام بعض الدول المسلمة إلى اتفاقية بريكس وأنه يجب الاستعاضة عنها بـ (منظمة تكامل إقليمي) تجمع كل من السعودية والباكستان وتركيا ومصر وإيران، واليوم ونظراً لما قامت وتقوم به إيران من أدوار مشبوهة ضد الدول المذكورة، فيبدو أن الهوة بينها وبين تلك الدول في المقالة قد اتسعت بشكل كبير، (محاولة ايران تعطيل التواصل الجغرافي بين تركيا وأذربيجان/تهديد حلفاء ايران الحوثيين للسعودية/حملات الإبادة العسكرية الإيرانية ضد قومية السنة البلوش الذين يشكلون اغلب سكان الحدود بينها وبين الباكستان/دور ايران في إثارة القلائل ونشر التشيع والتجسس على مصر)، فيبدو أن الحل الأمثل هو الإبقاء على فرضية مشروع تحالف إقليمي ذا أغلبية سنية تضم السعودية والباكستان وتركيا ومصر.
إن إقامة تحالف يجمع السعودية والباكستان ومصر وتركيا من شانه خلق قوة استراتيجية هائلة على المستوى العسكري والاقتصادي والسياسي وستكون رادعاً قوياً وموثوقاً ضد العنجهية الإسرائيلية المنفلتة من عقالها ويمكن إثبات ذلك من خلال دراسة تحليل SWOT التالية:
أولاً: ما هي نقاط القوة (Strengths) لتحالف يجمع السعودية والباكستان ومصر وتركيا
(1) القوة الاقتصادية
- السعودية: تمتلك أكبر احتياطي نفطي عالمي وقدرة على التأثير في أسعار الطاقة+صندوق استثمارات عامة ضخم.
- تركيا: تمتلك اقتصاد صناعي متنوع وصادرات قوية+مركز لوجستي بين أوروبا وآسيا.
- مصر: تمتلك موقع استراتيجي يتحكم بقناة السويس+أكبر عدد سكاني عربي+سوق استهلاكية كبيرة.
- باكستان: تمتلك استثمارات ضخمة في مشاريع البنية التحتية (CPEC)مع الصين+قوة عاملة كبيرة وموارد طبيعية.
- النتيجة: إنشاء تحالف يجمع موارد مالية هائلة+سوقاً كبيرة+قوة نفطية ولوجستية وتجارية، مما يجعله كتلة اقتصادية مؤثرة عالمياً
(2) القوة العسكرية والدفاعية
-السعودية: لديها جيش مجهز جيداً.
- تركيا: لديها جيش قوي وصناعة دفاعية متقدمة.
- الباكستان: لديها قوة نووية وصواريخ باليستية+جيش محترف ذو خبرة قتالية واسعة.
- مصر: لديها أكبر جيش عربي مع خبرة ميدانية وإمكانات دفاعية قوية.
- النتيجة: قيام تحالف يجمع قدرة دفاعية ضخمة+قوات برية وجوية وبحرية متقدمة+قوة نووية، مما يشكل قوة ردع إقليمية ضخمة.
(3) القوة الجيوسياسية والدبلوماسية
- السعودية: تتمتع بنفوذ ديني واسع كقائدة للعالم الإسلامي.
- تركيا: تتمتع بنفوذ دبلوماسي وإقليمي متنامٍ في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجمهوريات آسيا الوسطى التركية.
- مصر: تتمتع بقيادة تاريخية للعالم العربي+تتحكم بممرات بحرية حيوية.
- الباكستان: تتمتع بدور إسلامي ودبلوماسي مهم في جنوب آسيا.
- النتيجة: التحالف سيشكل تكتل سياسي ودبلوماسي كبير في العالم الإسلامي، يمتلك وزن تفاوضي في الملفات الإقليمية والعالمية.
(4) القوة الديموغرافية والبشرية
- التحالف سيجمع أكثر من 450 مليون نسمة أغلبهم شباب، ما يمنحه قوة عاملة ضخمة وسوق استهلاكية واسعة.
ثانياً: نقاط الضعف (Weaknesses) لتحالف يجمع السعودية والباكستان ومصر وتركيا
(1) التفاوت الاقتصادي والسياسي
- اقتصادياً السعودية وتركيا أكثر استقراراً، بينما الباكستان ومصر تواجهان أزمات مالية كبيرة.
- سياسات كل دولة مختلفة، مما قد يصعب التنسيق الاقتصادي والسياسي.
(2) الاعتماد على الموارد الخارجية
- السعودية تعتمد على تصدير النفط.
- تركيا ومصر تواجهان ضغوطاً الديون الخارجية.
- الباكستان تعتمد على المساعدات والقروض.
- النتيجة: تحقيق تحالف متكامل يتطلب تنسيق السياسات المالية+تقليل الاعتماد الخارجي.
(3) التحديات الاجتماعية والسياسية الداخلية
- اختلاف أنظمة الحكم (ملكية، جمهورية برلمانية، رئاسية) قد يعرقل اتخاذ قرارات موحدة.
(4) تفاوت المستوى التكنولوجيا والتطوير الصناعي
- السعودية والباكستان تسعيان لتطوير الصناعات الدفاعية، بينما تركيا لديها صناعة دفاعية متقدمة، ومصر أقل تقدماً في هذا المجال.
- الحاجة لتوحيد القدرات الصناعية والتكنولوجية يمثل تحدياً.
ثالثاً: الفرص المتاحة (Opportunities) لتحالف يجمع السعودية والباكستان ومصر وتركيا
(1) التحالف الاقتصادي والتجاري
- التحالف يمكن أن يصبح كتلة اقتصادية قوية تجمع النفط، الطاقة المتجددة، الصناعة، التجارة البحرية، والبنية التحتية.
- تطوير ممرات تجارية جديدة تربط الخليج، البحر المتوسط، وجنوب آسيا.
- إمكانية تأسيس صناعات دفاعية مشتركة لتقليل الاعتماد على السلاح الخارجي.
(3) النفوذ الدبلوماسي والإقليمي
- قيادة ملف الإسلام السياسي المعتدل وحماية مصالح العالم الإسلامي.
- تحالف استراتيجي قادر على التأثير في ملفات الشرق الأوسط، جنوب آسيا، والبحر المتوسط.
(4) الاستثمار في الشباب والابتكار
- توحيد جهود التعليم، البحث العلمي، التكنولوجيا، والطاقة المتجددة.
- التحالف قادر على خلق سوق تكنولوجية وصناعية مشتركة ضخمة.
رابعاً: التهديدات (Threats)التي تواجه قيام تحالف يجمع السعودية والباكستان ومصر وتركيا
(1) التوترات الإقليمية والدولية
- صراعات مع إيران، الهند، إسرائيل، وأطراف بحرية (مثل تركيا في البحر المتوسط).
- التدخلات والضغوطات الغربية التي ستعسى للضغط في اتجاه إفشال هذا التحالف.
(2) التحديات الاقتصادية الداخلية
- تفاوت القوة الاقتصادية بين الدول الأربع قد يؤدي إلى صراعات حول حصة اتخاذ القرارات وإدارة الموارد.
- تقلب أسعار النفط والموارد الطبيعية سيبقى يشكل تهديداً مستمراً.
(3) الإرهاب والتطرف الداخلي
- الباكستان ومصر تواجهان جماعات مسلحة، السعودية تواجه تهديد من الحوثيين، تركيا تواجه تهديدات كردية وجهادية.
- خطر امتداد النزاعات الداخلية لأي دولة إلى التحالف.
(4) اختلاف الأنظمة السياسية والثقافات
- اختلافات سياسية بين الملكية، الجمهورية، والنظام البرلماني قد تعرقل القرارات الموحدة.
- التنوع الثقافي والديني يتطلب إدارة دقيقة للسياسات الداخلية والخارجية.
الخلاصة:
إن الفرصة متاحة إمام الدول الأربعة (على غرار الاتفاقية السعودية-الباكستانية) لإنشاء تحالف يجمع القدرات الاقتصادية (النفط، الصناعة، التجارة)، والقدرات العسكرية (جيش نووي، قدرات برية وجوية وبحرية)، والقدرات الدبلوماسية (نفوذ عالمي وإسلامي)، ومن الأمور التي يمكن أن تحفز قيادات هذه الدول للسير في طريق إنشاء هذا التحالف هو ما تواجهه تلك الدول من تهديدات إقليمية مشتركة (إسرائيل، إيران، الهند، الإرهاب)، وما يتيحه من فرصة لتشكيل قوة اقتصادية وتجارية ضخمة وكذلك استغلال القوة البشرية والشبابية لتحفيز الابتكار والصناعة، وأن كل نقاط الضعف والاختلاف بين هذه الدول تعتبر ضئيلة مقارنة مع ما يمكن تحقيقه من إنجازات اقتصادية وعسكرية وسياسية ضخمة.
في الختام أدعو الله عز وجل أن يشرح صدور حكام المسلمين من أجل العمل على توحيد صفوف الامة للتصدي للاخطار المحدقة والمكائد والدسائس التي يحيكها أعداء الامة تجاهها.