بعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الثانية، سارعت القوات الروسية بالسيطرة على دول أوروبا الشرقية واحتلال "ألمانيا النازية" سابقاً، بينما أوقفت القوات الأمريكية هذا الزحف السريع في الجهة الغربية لألمانيا، لتصبح ألمانيا دولة مقسمة بين الرأسمالية والشيوعية.
في 13 أغسطس 1961، استيقظ الألمان على بناء جدار إسمنتي فاصلاً بين شقيها الشرقي والغربي، واستمر لأكثر من 28 سنة كحدود مصطنعة داخل دولة واحدة.
في عام 1989، بدأت مظاهرات سلمية بالشموع أجبرت الجيش على عدم التحرك وقمعها، وتوالت الأحداث سريعاً حتى أعلن في مؤتمر صحفي إمكانية العبور من الشرقية إلى الغربية فوراً، ليصبح عام 1989 عام سقوط "جدار برلين" ونهاية عصر التمزق وبداية جديدة لكل أوروبا.
وبعد سنوات، تم تأسيس الاتحاد الأوروبي، وأزيلت كل الحدود، وتوحدت العملة، وتكافلت الصناعات. ولتقييم الواقع، نعود للتاريخ لنحصي حجم الحروب الأوروبية، وسنقتصر على الحربين العالميتين الأولى والثانية.
إجمالي عدد الضحايا التقريبي:
الحرب العالمية الأولى: العسكريون القتلى حوالى 10 ملايين، المدنيون 8 ملايين.
الحرب العالمية الثانية: العسكريون القتلى 25 مليون، المدنيون 55 مليون.
إذا جمعناهما معاً، فعدد الضحايا يصل تقريباً إلى 85-100 مليون إنسان، بتكلفة مادية تصل لعشرات التريليونات.
كل هذه القضايا تم الاتفاق على تخطيها وصنع أوطان جديدة متحدة تتوزع فيها الفرص، وتم السيطرة على خطاب التفوق والعنصرية، ليحل محله التعاطف والتعاون والإنسانية.
هنا نقف لنرى كيف تمت السيطرة إعلامياً وحكومياً وبناء مناهج ذكية للنهوض بأوروبا. ولو أخذنا هذا النموذج وطبقناه بيننا، لتم الاتحاد شعبياً، لكن من يسيطرون على الأمور يسعون لمصالحهم الشخصية، وبث الفرقة بين المواطنين.
وجاء النفط ليساهم بتوسيع الفجوة بين الأوطان وظهور دول غنية وأخرى فقيرة، ليصبح الاتحاد أغنية وشعراً.
في الجهة الأخرى، الولايات المتحدة الأمريكية جذبت مهاجرين من كل الدول، ودعمت العباقرة، واستوعبت الجميع، ليصبحوا قوة عظمى، مستفيدين من قدرات العقول وفق قانون واضح وهدف واحد.
نحن قوم أعزنا الله بالإسلام واللغة الواحدة والموقع الجغرافي المترابط، ومع ذلك غير متفاهمين. ومع إدراكنا للمؤامرة والخدع، لا نقاوم!
العالم يدرك اليوم أن البقاء للتكتلات الكبيرة المتعاونة، والمنفردة تندثر. العملاق لن يرحم أحداً ضعيفاً، وحرب غزة مثال حي على شلل الأنظمة العربية وشعوبها، وضعف إرادتها، واستغلال الأعداء لتوسيع الحروب.
كما استغل التتار ضعف المسلمين في سمرقند، والأعداء بين الأمويين والعباسيين، للسيطرة بالمكر والخداع، مع الحفاظ على تقليل الخسائر البشرية والمادية.
إن التاريخ يتكرر، فهل من معتبر؟ فرصتنا الأخيرة للكرامة عبر الصمود في الحروب الحالية. هل سنزيل جداراً داخلياً كجدار برلين، أم سنبقى مقيدين بالعقليات الإقصائية والتفوق العرقي؟