يتفق كثيرون على أن العلاقات الصينية- الأمريكية من أهم وأكثر العلاقات الدولية تعقدا وتشابكا في القرن الحادي والعشرين، لأسباب كثيرة. اقتصاديا، الولايات المتحدة الأمريكية هي أكبر اقتصاد في العالم والصين هي ثاني أكبر اقتصاد، كما أن بكين أصبحت أكبر شريك تجاري لواشنطن منذ عام 2015، وبلغ حجم التبادل التجاري بينهما ما يزيد عن 600 مليار دولار أمريكي. سياسيا، الصين قوة صاعدة على الساحة الدولية وتتشابك مع الولايات المتحدة الأمريكية في العديد من القضايا الإقليمية والدولية تشابكا لا يمكن تجاوزه لتسوية تلك القضايا
اما التصعيد جديد في الحرب التجارية التي افتعلها الرئيس الامريكي دونالد ترامب مع الصين، بعد فرض إدارته رسوماً جمركية جديدة على البضائع الصينية، في إطار سياسات العقوبات الاقتصادية التي تتبعها واشنطن ضد الدول المستقلة والتي لا تسير وفق نهجها.
الرسوم الأمريكية الجديدة التي دخلت حيز التطبيق كانت بنسبة 10 بالمئة على بضائع صينية مستوردة بقيمة 200 مليار دولار فيما ردت بكين على الفور بتطبيق رسوم جمركية مماثلة على واردات من المنتجات الأمريكية بقيمة 60 مليار دولار لتتسع بذلك دائرة حرب تجارية اشعلها ترامب نفسه منذ عدة اشهر بحجة حماية الإنتاج الامريكي.
وكان خبراء وباحثون في مجال الاقتصاد أوضحوا أن إجمالي الصادرات الصينية السنوية إلى الولايات المتحدة يزيد على 500 مليار دولار، مقابل واردات أمريكية إلى الصين تقدر بنحو 134 مليار دولار، مؤكدين أن واشنطن ستتعرض لخسائر كبيرة جراء اجراءات ترامب العدائية ضد بكين، فالنزاعات التجارية لا تنطبق عليها معادلة الفوز الخسارة البسيطة.
من وجهة نظر الرئيس ترامب، فالصين تعمل منذ فترة على توسيع استثماراتها وفتح الأسواق أمام منتجاتها في أفريقيا وفي جمهوريات روسيا الاتحادية والدول العربية والأوروبية، من خلال مبادرة «الحزام والطريق» الصينية. كما عملت بكين أيضا، خلال الأعوام الماضية ، على تأسيس مؤسسات مالية موازية لصندوق النقد والبنك الدولي، كبنك التنمية الجديد ومقره شنغهاي برأس مال يقدر بنحو 100 مليار دولار والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية ومقره بكين برأس مال أولي قيمته 50 مليار دولار. وهذه التحركات من جانب بكين تثير كثير من الهواجس لدى دوائر صنع القرار الأمريكية، لأنها تعزز من المكانة العالمية للاقتصاد الصيني في مواجهة الاقتصاد الأمريكي، خاصة وان بكين اصبحت تمتلك سندات في الخزانة الأمريكية بقيمة تريليون دولار تقريبا وهو ما قد يؤثر بشدة على سعر صرف الدولار مستقبلا، إذا ما قرر الصينيون بيع هذه السندات.
إن القضايا الخلافية بين بكين وواشنطن، متشابكة ومعقدة ولها أكثر من وجه، وتتداخل فيها مؤسسات مختلفة في البلدين، وترتبط باستراتيجيات كل منهما على المستوى الإقليمي والدولي، وبطريقة تفكيرهما ورؤيتهما ومصالحهما وتحالفاتهما على المستوى الإقليمي والدولي. الصين تدعو إلى نظام سياسي واقتصادي عالمي أكثر عدالة وإنصافا، يكون فيه صوت مسموع للدول النامية، وإلى عالم متعدد الأقطاب. هذه الدعوة الصينية نابعة من فكر وفلسفة الصين المستمدة من تاريخ طويل لهذا البلد الذي عانى من هيمنة وغطرسة الدول الكبرى، بينما الولايات المتحدة الأمريكية تريد المحافظة على هيمنتها العالمية.
كما أن نمو الاقتصاد الصيني جعل المصالح الاستراتيجية الصينية والأمريكية أكثر تشابكا، وأن حسم التنافس بين هاتين القوتين سيظل مرهونا بقدرة كل منهما على إدارته بحكمة دون الانزلاق إلى هاوية قد تكلفهما معا ثمنا باهظا. وستكون فترة رئاسة دونالد ترامب للولايات المتحدة الأمريكية اختبارا صعبا آخر لحكمة بكين في إدارة علاقاتها مع واشنطن.