557383 السرحان يكتب وصفي التل في ذكرى استشهاده، تعزيز للسردية الأردنية :: وكالة نيروز الاخبارية
2025-12-07 - الأحد
وزارة التخطيط والتعاون الدولي تستقبل عدداً من كبار ضباط القوات المسلحة الأردنية nayrouz "د.بسمة الهباهبة… قيادية من معان ترسم حضور المرأة في التنمية والسياسة" nayrouz الشوبكي تكتب جلالة الملكة قرب تربوي nayrouz "تكاليف حضور المونديال تقفز وتُعقّد آمال جماهير النشامى" nayrouz الأمن العام يطلق حملة "السلامة المرورية… شراكة ومسؤولية" للقضاء على القيادة الاستعراضية والمتهورة والتشحيط nayrouz الزيدانين يكتب الفكر الناضج وصناعة المستقبل: رؤية ولي العهد انموذجا nayrouz "عادل الروسان… اسمٌ يصنع الفارق أينما حضر" nayrouz "التدريب المهني يشرح رؤيته للتحديث وتمكين الشباب عبر برنامج على العهد" nayrouz ضمن شراكتها الممتدة مع مؤسسة ولي العهد منصة زين شريكاً استراتيجياً لبرنامج "42 إربد" المتخصص في علوم الحاسوب والبرمجة nayrouz الخضير: تعزيز بيئة تشريعية تُجرّم الاعتداء الرقمي nayrouz البلقاء التطبيقية تطلق موقعها الإلكتروني الجديد nayrouz "جمال السلامي يريح بعض النجوم تحضيرًا لمرحلة الحسم" nayrouz مدير الأمن العام يلتقي رئيس بعثة الصليب الأحمر في الأردن nayrouz جامعة الزرقاء تفوز بالمركز الأول في سباق آيلة نصف ماراثون البحر الأحمر nayrouz بورصة عمان تغلق تداولاتها على ارتفاع nayrouz "رئيس لجنة بلدية الزرقاء يتدخل شخصياً لتنظيف منهل مغلق" nayrouz جامعة الزرقاء تحصد الذهب في بطولة المملكة للمصارعة الرومانية nayrouz رحيل صاحب الأثر الطيب.. الكرك تودع المهندس الشاب "صبحي الزمر" إلى مثواه الأخير nayrouz تحول رواتب هؤلاء المعلمين إلى البنوك nayrouz وزير الداخلية: انخفاض متوسط عدد الموقوفين شهريا من 2200 إلى 1700 nayrouz
وفيات الأردن الأحد 7 كانون الأول 2025 nayrouz وفاة المهندس جادالله سعود ندى عبيدات "ابو مجدي". nayrouz وفاة رجل داخل سوق الحلال في مأدبا وسط الازدحام الخانق nayrouz وفاة الشيخ الحاج علي فرحان الطهاروه nayrouz وفاة الشاب امجد دحام الدريبي الزبن nayrouz وفاة الحاجة منيفه سلامه النجم الخضير "ام هاني" nayrouz وفيات الأردن ليوم السبت 6 كانون الأول 2025 nayrouz وفاة سلامه سويلم المناجعه "ابوصالح " بعد صراع مع مرض عضال. nayrouz وفاة ماهر أمين القدومي أبو ليث في الأغوار الشمالية” nayrouz الحاج محي الدين إبراهيم الكيلاني "أبو أحمد" في ذمة الله nayrouz شكر على تعاز nayrouz قبيلة بني صخر عامة والسلمان الخريشا خاصة تشكر المُعزّين بوفاة المرحمة مني علي الرشيد زوجة المرحوم ممدوح خازر سلمان الخريشا ووالدة المحافظ حاكم ممدوح الخريشا nayrouz وفاة الرائد محمد قاسم الحراحشة.. nayrouz وفاة الحاج زهري محمود فلاح الجعافره " ابو صلاح" nayrouz وفاة الرائد محمد قاسم الحراحشة من الخدمات الطيبة nayrouz وفيات الأردن ليوم الخميس 4-12-2025 nayrouz شكرا على تعازي بوفاة المرحوم الحاج عبدالله غوري الغيالين الجبور nayrouz الحاج محمد المرعي العقله بني مصطفى " ابويوسف" في ذمة الله nayrouz وفيات الأردن ليوم الأربعاء 3-12-2025 nayrouz وفاة الحاجه رشيده رجا الغريب زوجة المرحوم علي الحردان nayrouz

السرحان يكتب وصفي التل في ذكرى استشهاده، تعزيز للسردية الأردنية

{clean_title}
نيروز الإخبارية :


د. عطا الله السرحان*

تشكّل شخصية وصفي التل إحدى أكثر الشخصيات حضورًا في الذاكرة السياسية الأردنية، بوصفه رئيسًا للوزراء، وصاحب مشروع وطني عميق أسهم في تشكيل ملامح الدولة الأردنية الحديثة في أكثر مراحلها تعقيدًا، فالرجل الذي عاش التحولات الكبرى في المنطقة، من انهيار مشاريع النهضة العربية إلى اشتداد الصراع العربي–الإسرائيلي، ومن اضطرابات الخمسينيات السياسية إلى تحديات السبعينيات الأمنية، لم يتعامل مع الأحداث بوصفها أزمات عابرة، بل بوصفها مختبرًا لتأسيس دولة قادرة على البقاء، وفاعلة في سياق إقليمي شديد الاضطراب.
لقد دخل وصفي التل الحياة العامة مزودًا بخبرة عسكرية وإدارية وثقافية جعلته مختلفًا عن كثير من رجال تلك المرحلة، كان قارئًا للتاريخ العربي السياسي، ومؤمنًا بأن الدولة لا يمكن أن تكون طارئة أو مبنية على ردود الأفعال، بل على رؤية تحتاج إلى الإرادة بقدر ما تحتاج إلى المؤسسات. ولذلك، حين تسلّم مواقع المسؤولية، تعامل معها على أنها مساحات لتطبيق مشروعه في التنظيم والتنمية والسيادة. لقد رأى التل أن الأردن، لكي ينهض ويتجاوز هشاشته البنيوية، يحتاج إلى دولة مركزية قوية، تملك القرار ولا تخضع لتوازنات القوى المتغيرة، وتستند إلى مفهوم الانتماء الوطني لا إلى الولاءات المتعددة.
وُلِد مشروع التل في لحظة تاريخية كان فيها الأردن يواجه تحديات وجودية، فقد كان التوتر السياسي الداخلي يضعف قدرة الدولة على فرض سيادتها، وكانت الضغوط الخارجية تُهدّد التوازنات الإقليمية الهشة، فصعد وصفي التل قائدًا يحمل رؤية تختلف عن الاتجاهات السائدة. لم يكن يؤمن بالشعارات العاطفية ولا بإلقاء المسؤولية على الخارج، بل كان مقتنعًا أن البناء يبدأ من الداخل، وأن النهضة الوطنية يجب أن تُصنع بأيدي الأردنيين أنفسهم عبر تحصين مؤسساتهم، وتعزيز اقتصادهم، ورفع مستوى وعيهم الوطني.
لقد ركز التل على إعادة تعريف الدولة باعتبارها المرجعية العليا، والسلطة التي لا ينازعها أحد، وقد بدا ذلك واضحًا في كل خطاباته وممارساته، إذ كان يكرر أن الدولة ليست مجموعة أشخاص، بل كيان قانوني وسياسي يُفترض أن يقف فوق الجميع، وكان سعيه المستمر إلى فرض سيادة القانون، ومحاربة أشكال الانفلات، باعتبارها تهديدًا أمنيًا وبنيويًا قد يؤدي إلى تفكك الدولة، وكانت هذه الرؤية، بحسب تحليلات علم السياسة، أقرب إلى منهج "بناء الدولة" الذي يتطلب السيطرة على المجال العام وتحديد قواعد اللعبة السياسية قبل السماح بتعدد القوى الفاعلة.
نظر وصفي التل إلى الاقتصاد بارتباطه بالسياسة، وقاعدة الاستقلال الوطني، ولذلك تبنى فكرة «الاعتماد على الذات» وجعلها مبدأ مركزيًا لسياساته، كان التل يدرك أن دولة صغيرة بموارد محدودة مثل الأردن لا يمكنها أن تضمن لنفسها القرار المستقل إذا بقي اقتصادها قائمًا على المساعدات الخارجية والمساعدات المشروطة. وجاء اهتمامه الكبير بالزراعة التي كان يرى فيها قطاعًا اقتصاديًا، وحجر الأساس لعلاقة الإنسان بالأرض ولحماية الأمن الغذائي. فالاستثمار في الزراعة، بنظره، هو استثمار في الاستقلال السياسي، وهو مسار للتنمية قادر على خلق مجتمع منتج لا متلقٍ.
وقد انعكست هذه الفلسفة على المشاريع التي دفع باتجاهها خلال مسيرته، إذ شجّع على تطوير شبكات الريّ، ودعم إنشاء تعاونيات زراعية، وأعاد إحياء ثقافة العمل في الأرض في وقت كان فيه نزوح السكان من الريف إلى المدن يزداد بشكل ملحوظ. وقد عمل على تعزيز الصناعات الوطنية الصغيرة والمتوسطة، معتبرًا إياها نواة الاقتصاد الإنتاجي، فكانت مقاربته الاقتصادية، كما تصفها الأدبيات التنموية، أقرب إلى نموذج "الدولة التنموية" التي تقود التنمية بالتعاون مع القطاع الخاص وتوجيه السياسات الاقتصادية.
أولى وصفي التل اهتمامًا خاصًا ببناء الهوية الوطنية الجامعة، فكانت المرحلة التي عاش خلالها الأردن مليئة بالتحولات الديموغرافية وتداخلات الانتماء السياسي، مما جعل مسألة الهوية تحديًا مركزيًا. ولذلك عد التل أن الانتماء الوطني ممارسة تُبنى عبر مؤسسات الدولة: المدرسة، الجيش، الإدارة العامة، والإعلام. وكان يؤمن بأن دولة بلا هوية واضحة معرضة للانقسام، وأن بناء الهوية لا يتم دون تعزيز العدالة الاجتماعية وإتاحة الفرص في التعليم والعمل والانخراط السياسي، وكان يرى أن الجيش الأردني يؤدي دورًا محوريًا في توحيد المجتمع، باعتباره قوة عسكرية ومدرسة وطنية تُصقل الانتماء وتعزز الانضباط وتستوعب التعدد.
لقد حاول وصفي التل من الناحية الإدارية أن ينقل الجهاز الحكومي من حالة الروتين التقليدي إلى مفهوم الخدمة العامة المهنية، فدفع باتجاه تعيين الكفاءات، وتفعيل الرقابة الإدارية، وتصويب الهياكل الحكومية بما يضمن فاعليتها. وإن اصطدمت هذه الجهود بالبيروقراطية الراسخة في بعض الأحيان، فإنها أسست لفكرة أن الحكومة ليست مؤسسة للترضيات بل أداة لتحقيق التنمية، ويذهب بعض الباحثين في العلوم الإدارية إلى أن التل كان من أوائل من طرحوا عمليًا فكرة الإصلاح الإداري في الأردن قبل أن تتحول إلى خطاب رسمي في العقود اللاحقة.
لم يكن مشروع وصفي التل محصورًا في الحدود التقنية لتطوير الدولة، فقد شملت بعدًا سياديًا واضحًا، فكان من المدافعين الشرسين عن استقلال القرار الأردني، ورفض أي تدخل خارجي يمكن أن يمسّ سيادة الدولة أو يملي عليها توجهاتها. وهذا الموقف جعله يدخل في صدام مع بعض القوى الإقليمية والدولية، كما جعله شخصية موضع خلاف بين التيارات السياسية في المنطقة، لكنه كان يعتقد أن الدولة التي لا تدافع عن استقلالها تفقد شرعيتها أمام مواطنيها.
وتميزت سياسات التل في سنواته الأخيرة بتركيز واضح على تعزيز الأمن الداخلي ووحدة القرار السياسي، وكان يرى أن الدولة، لكي تنهض اقتصاديًا، يجب أن تمتلك أولوية الأمن وسيادة القانون، وأن يتم تنظيم المجال السياسي بما يضمن استقرار الدولة لا اضطرابها، ومع أن هذه السياسات واجهت انتقادات تتعلق بالحريات السياسية، فإنها كانت، جزءًا من إستراتيجية "إنقاذ الدولة" في لحظة تاريخية شديدة الحساسية.
كان لوصفي التل جانب إنساني لا يقل أهمية عن جوانبه القيادية، فانعكس إيمانه بالعدالة الاجتماعية على سياساته التي سعت إلى رفع مستوى المعيشة للفئات المهمشة، وتحسين التعليم، وتعزيز القيم الوطنية القائمة على الكرامة ومشاركة الجميع في بناء الوطن، وتروي كثير من المصادر قصصًا عن علاقته بالفلاحين والجنود البسطاء، وهي روايات ساهمت في تكوين صورته الرمزية في الوعي الشعبي الأردني.
كان اغتيال وصفي التل حدثًا صادمًا للدولة الأردنية، لأنه فقد رجل دولة بارزًا، وأوقف مشروعًا نهضويًا كان يمكن أن يستمر لسنوات طويلة، فقد أحدث غيابه فراغًا في القيادة التنفيذية، وأدى إلى توقف نسبي لبعض البرامج الاقتصادية والإدارية التي كان يشرف عليها مباشرة. كما ترك أثرًا نفسيًا وسياسيًا عميقًا في المجتمع الأردني، الذي وجد نفسه أمام حدث لا يستهدف شخصًا فحسب، بل فكرة الدولة المستقلة القوية. ومع مرور الوقت، أصبح إرث التل جزءًا من الهوية السياسية للدولة، ومصدرًا من مصادر الاستلهام في الخطاب الوطني.
إن تقييم تجربة وصفي التل يتطلب مقاربة متوازنة بعيدًا عن المثالية المفرطة أو النقد غير الموضوعي، فقد كان رجلًا بميزات وعيوب، ولكنه في المحصلة كان يحمل رؤية واضحة جعلت منه حالة سياسية مختلفة. فقد امتلك القدرة على الربط بين الأمن والتنمية، بين الهوية والاقتصاد، وبين السيادة والحياة اليومية للمواطن، وهذه القدرة على تكامل الرؤية هي ما جعلته مؤثرًا إلى حد أن تجربته تُقرأ اليوم بوصفها نموذجًا لمرحلة تأسيسية في تاريخ الأردن الحديث.
أما أثره على مستقبل الأردن، فيكمن في أن مبادئه الأساسية ما تزال حاضرة في خطاب الدولة: سيادة القانون، مركزية المؤسسات، الاعتماد على الذات، والهوية الوطنية الجامعة. ورغم أن الظروف السياسية والاقتصادية تغيرت كثيرًا منذ سبعينيات القرن الماضي، فإن الأسئلة التي حاول التل الإجابة عنها ما تزال مطروحة حتى الآن: كيف نبني اقتصادًا منتجًا؟ كيف نحافظ على سيادة الدولة؟ كيف نضمن وحدة المجتمع؟ وكيف نحقق تنمية عادلة تشمل الأطراف لا المراكز فقط؟
لقد كان وصفي التل رجل دولة بالمعنى الحديث للكلمة، يجمع بين الجرأة السياسية والعمق الفكري والانحياز للإنسان، ويؤمن بأن الأردن ليس مشروعًا مؤقتًا بل وطنًا قابلًا للنهضة مهما كانت التحديات. ويبقى إرثه مذكرًا بأن الدولة تُبنى بالعمل والوضوح والانتماء، وأن النهضة ليست قرارًا لحظة، بل مسارًا طويلًا يحتاج إلى قادة يعرفون كيف يقرأون المستقبل بعيون الواقع لا بظلال الشعارات.

د. عطا الله السرحان
أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الهاشمية.