"وكأني لا زلت هناك”… لكننا في الحقيقة أصبحنا معه هناك"
ليس عنوان كتاب وحسب، بل نافذة فتحها معالي الدكتور صبري الربيحات على نوافذ الذاكرة والطفولة والإنسان والزمان والمكان، فدخلنا منها برفقة الفكر والروح، في أمسية لا تتكرر، استضافها صالون الدكتورة سهام الخفش الثقافي مساء 6/12، لتكون ليلة من ليالي عمان التي تُكتب ولا تُروى، تُحسّ ولا تُختصر.
جاء الربيحات ضيفًا، لكنه سريعًا ما أصبح صاحب مقام، وقامة أدبية ومعرفية ، دخل في قلوب الجميع حلّق بنا جميعًا في فضاء نصه الفريد، حيث لا حدود بين السارد والقارئ، ولا بين التاريخ والذاكرة، ولا بين عيمة والطفيلة التي تحدّث عنها وبين الأردن الذي نحمله في قلوبنا.
أدار الحوار المبدع المهندس والأديب ضيغم القسوس، فكان إدارةً تضاهي جمال النص وروح المؤلف، أما المداخلة النقدية فكانت للدكتور أسامة تليلان المبدع والأنيق فكرا وروحا ،الذي قدّم قراءة واثقة، عميقة، وملهمة، كشفت لنا ما وراء الكلمات وما بين السطور من فلسفة ودهشة وتجليات إنسانية لا تُنسى.
وحظينا بحضورٍ راقٍ يليق بالمناسبة، تقدّمته الإعلامية الهادئة الحضور، الكبيرة تأثيرًا نسرين أبو صالحة، قرينة معاليه، التي أضفت على المكان دفئًا وحضورًا نبيلاً.
افتُتحت الأمسية بكلمة ترحيبية ألقاها عميد الصالون الأستاذ محمد عواد النعيمات، عبّر فيها عن احتفاء الصالون بثقافة تليق بالأردن وأهله وتاريخه، مؤكّدًا أن حضور الربيحات ليس مجرد لقاء أدبي بل حدث يرفع الذائقة ويرتقي بالنقاش.
ثم جاءت كلمة رئيسة الصالون، الدكتورة سهام الخفش، التي رحّبت بالضيوف وبأصدقاء الصالون وروّاده، مؤكدة أن الثقافة ليست ترفًا، بل مسؤولية ورسالة، وأن "الصالونات الحقيقية هي التي تُصنع فيها الفكرة، ويُصان فيها الحوار، ويُصقل فيها الوعي”.
الكتاب… ذاكرة وطن وملامح مدينة
لم يكن الحديث عن كتاب، بل عن ذاكرة وطن تمتد من الطفيلة إلى كل مدينة أردنية مرّت في قلب الكاتب قبل أن تمر على الورق. الشخوص، الأزقة، البدايات، التحولات، التفاصيل الصغيرة التي تصنع مباهج العيش وخيباته… كلها جاءت في سرد الربيحات بنبرة تجمع بين حنين لا ينطفئ وفكر لا يتراجع.
مظاهرة حب ومعرفة وأناقة فكر
هكذا وصف الحضور تلك الليلة، وهي تسمية لم تكن مبالغة، فقد خرج الجميع بنسخ موقعة من الكتاب، وبإحساس أن الوطن حين يُكتب بصدق، يصبح نحن، وأن الكاتب حين يتحدث بمحبة، يصبح ذاكرة مشتركة لا فردية.