لم تعد قضية بلدية جرش الكبرى مجرد نقاش إداري حول كفاءة مجلس أو ضعف أداء، بل أصبحت تمسّ شيئا أعمق وهو حق الناس في أن يختاروا من يدير شؤون مدينتهم. فحين يكون المجلس معيَّنا لا منتخبا، يصبح السؤال مشروعا، والنقاش واجبا، والتقييم مختلفا.
التعيين، ببساطة، يتعارض مع روح الحكم المحلي. فالبلدية ليست دائرة حكومية مغلقة، بل مؤسسة يفترض أن تكون صوت الناس لا ظلّ السلطة. المواطن ليس تفصيلا في المشهد، بل هو أساسه.
وعند النظر ومن خلال متابعتي اليومية إلى ما يُقدَّم على أنه "إنجازات استثنائية”، نجد أن كثيرا مما جرى على الأرض يدخل في إطار العمل الطبيعي الذي يفترض أن تقوم به أي جهة مسؤولة. تعبيد شارع، إصلاح إنارة، تحسين نظافة… هذه ليست معجزات، بل حقوق أساسية للناس.
وأبرز مثال على ذلك شارع وصفي التل، الذي يُروَّج له اليوم كمنجز كبير، رغم أن الجهد الأوضح فيه كان لمحافظ جرش الدكتور مالك خريسات بالتعاون مع وزير الأشغال العامة ومديرة أشغال جرش، ضمن عمل حكومي مباشر، أكثر مما كان مبادرة مستقلة من المجلس البلدي. وهذا التوصيف ليس انتقاصا من أحد، بل توصيف للواقع كما هو.
من الطبيعي أن يتحسن الأداء حين يكون هناك دعم حكومي مباشر، خصوصا عندما يكون مطلوبا إثبات أن قرار حلّ المجالس البلدية المنتخبة قبل انتهاء مدتها لم يكن خطأ. لذلك، فإن ما نراه من نشاط مكثف لا يمكن فصله عن السياق السياسي والإداري العام.
المشكلة الحقيقية لا تكمن في وجود مشاريع أو غيابها، بل في ما هو أعمق: غياب حق الناس في الاختيار. حتى أفضل الأعمال تفقد جزءا من قيمتها حين تُنجز من دون تفويض شعبي. فالمجلس المنتخب يتحرك تحت نظر الناس وضغطهم، بينما المجلس المعيَّن يتحرك ضمن سقف مختلف.
جرش لا تحتاج إلى إنجازات تُلمَّع، بل إلى ثقة تُبنى. ولا تحتاج إلى مجالس مدعومة فوقيا، بل مفوّضة شعبيا. فالمدن لا تُدار بالقرارات وحدها، بل بإرادة أهلها.
وفي النهاية، فإن الإصلاح الحقيقي للعمل البلدي لا يبدأ من المشاريع فقط، بل من الناس أنفسهم ومن حقهم في أن يختاروا، وأن يحاسبوا، وأن يشاركوا في القرار.