شهدت العقبة والمناطق الجنوبية ليلة مطرية غير اعتيادية؛ إذ هطلت الأمطار بغزارة وتشكلت السيول وظهرت الانجرافات في عدد من الطرق الرئيسية والفرعية. وبرغم الظروف المناخية الطارئة، فقد برز الدور الميداني لكل من محافظة العقبة وسلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة، ممثلتين بكوادرهما الميدانية، التي باشرت العمل فور بدء الهطول تنفيذاً لواجباتها القانونية في حماية الأرواح والممتلكات.
وقد قامت محافظة العقبة بتفعيل غرفة العمليات المركزية منذ اللحظات الأولى، وربطت أعمالها بكافة الدوائر الحكومية والبلديات والأجهزة الأمنية، التزاماً بمتطلبات التنسيق الإداري الوارد في الأنظمة والتعليمات المتعلقة بإدارة الأزمات. كما تابعت المحافظة مواقع الخطر بشكل مباشر، ووجهت الآليات الثقيلة إلى المناطق المعرضة للسيول، في إطار ما تفرضه عليها مسؤولياتها القانونية في صيانة الطرق وضمان انسيابية الحركة العامة. وقد ساهم هذا الدور في الحد من انتشار الانقطاع على الطرق وتقليل أثر الحالة الجوية على المرافق الحيوية.
أما سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة، فقد مارست اختصاصاتها المقررة بموجب قانون منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة، من خلال انتشار فرقها الميدانية في الشوارع الرئيسية والأحياء السكنية، لمتابعة شبكات تصريف مياه الأمطار وتنظيف العبارات المغلقة، ومعالجة التجمعات المائية قبل تحولها إلى مخاطر. كما تعاملت كوادر السلطة مع البلاغات الواردة إلى غرف الطوارئ، وساهمت بإعادة فتح بعض المسارات التي أغلقتها السيول، التزاماً بواجبها في إدارة البنية التحتية داخل المنطقة الخاصة.
ومع ذلك، فإن القانون لا يكتفي بقياس الجهود وحدها، بل يفرض التوقف عند مكامن الخلل، بوصفها مؤشرات ودلالات على قصور في تنفيذ الالتزامات القانونية. فقد كشفت تجمعات المياه في مواقع معينة عن ضعف في صيانة شبكات التصريف، وهو ما يعد إخلالاً بمتطلبات الصيانة الدورية المنصوص عليها في الأنظمة والتعليمات. كما أن استمرار الانجرافات بعد توقف الهطول يشير إلى حاجة الطرق لتدعيمات هندسية دائمة تتوافق مع طبيعة الجنوب الجغرافية، وهو التزام يدخل ضمن مسؤوليات الجهات المنظمة للطرق العامة.
كما أن استمرار تدفق السيول من المرتفعات لساعات طويلة بعد توقف المطر يكشف ضرورة تعديل خطط الطوارئ بحيث لا تقتصر على فترة الهطول، بل تمتد للمرحلة اللاحقة باعتبار أن مجاري الأودية تخضع لتعليمات وأنظمة محددة تستلزم مراقبة تمتد لما بعد الحدث.
وفي الجانب الإداري، ظهرت الحاجة لرفع مستوى التنسيق اللحظي بين الفرق الميدانية وتوزيع الآليات في نقاط حرجة، بدلاً من تحريكها من مواقع بعيدة، وهو ما يستوجب إعادة النظر في خرائط الانتشار الميداني ذات الصلة بإدارة الكوارث الطبيعية. كما واجهت بعض شبكات الكهرباء والمياه ضغوطاً أدت إلى أعطال وانقطاعات محدودة، وهو ما يوجب تعزيز حماية هذه البنى الحيوية وفقاً لمتطلبات السلامة العامة وضوابط استمرارية الخدمة.
إن ما شهدته العقبة في الأيام القليلة السابقة يمثل حالة عملية تبرز أهمية تطوير الإطار القانوني والتنفيذي لإدارة الظروف الجوية الطارئة، بما يشمل تعزيز الصيانة الوقائية، وتحديث تعليمات الطوارئ، وتحديد مسؤوليات كل جهة بدقة، بما يمنع تكرار المشاهد السلبية مع كل حالة مطرية مشابهة.
فالجنوب، بتضاريسه وقابليته لاندفاع السيول، يحتاج إلى منظومة طوارئ قانونية وإدارية أكثر إحكاماً، تدمج بين الجهد الميداني الفعلي، والصيانة الوقائية، والتنسيق المؤسسي، وتوزيع المسؤوليات، وفق قواعد واضحة. عندها فقط يمكن القول إن كل حالة جوية تتحول من خطر محتمل إلى اختبار ناجح يثبت قدرة المؤسسات على حماية المواطنين والممتلكات وممارسة صلاحياتها وفق أحكام القانون.