لم يكن إدراج العباءة العربية (البشت) ضمن قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي حدثًا عابرًا بل كان اعترافًا عالميًا بقطعةٍ صنعتها البيئة العربية وحملتها الأجيال عبر قرون وظلّت شاهدةً على تاريخٍ طويل من الهيبة والوقار والسلطة الرمزية ومع ذلك فإن القيمة الحقيقيّة للبشت لم تتشكّل من خيوطه الذهبية ولا من نسجه اليدوي الدقيق فحسب بل تشكّلت أولاً وأخيرًا من رجالٍ صنعوا ثقله وجلاله عبر أفعالهم قبل مظهرهم.
لقد ارتبط البشت بشخصيات تركت أثرًا في الذاكرة العربية من قادة قبائل و حكماء وشيوخ علم ورجال دولة ورجالٌ كانت كلمتهم ميزانًا وعدلًا. كان البشت حين يرتديه أحدهم يتحول من مجرد لباسٍ تقليدي إلى رايةٍ غير مرفوعة لكنها مفهومة في كل مكان راية تحمل معاني المروءة الشجاعة والكرم والوقار الاجتماعي.
ولذلك، فإن الاعتراف الدولي بالبشت بوصفه تراثًا غير مادي لا يجب أن يُقرأ بوصفه احتفاءً بشكله بل هو احتفاءٌ بسياقه الثقافي والاجتماعي وبالقصص التي نُسجت معه.
فالموروث لا يكتمل بوجود المادة وحدها بل بروح الإنسان الذي يمنحها معناها.
اليوم يعاد تقديم البشت في مناسبات مختلفة وظهر كمظهر جمالي لدى بعض من يرتدونه دون إدراك لعمقه الرمزي ومكانته في الوعي المجتمعي . من هنا يبرز السؤال: هل يضعف هذا المشهد من قيمة البشت؟ بالتأكيد لا فإن البشت أثمن من أن تحدده طريقة ارتداء عابرة فقيمته الحقيقية محفوظة في الوجدان العربي وفي ذاكرة الرجال الذين ارتدوه لأدوار لا علاقة لها بالاستعراض بل بالمسؤولية والهيبة والموقف.
إن كتابة اليونسكو لاسم البشت على قائمة التراث العالمي هو اعتراف بشكله التراثي له معانيه الساميه وأداوره التي تحتاجها شعوبنا والمنطقة العربية أجمع لكنها فرصة مهمة لتذكير الأجيال أن الموروث ليس شكلاً فقط بل هو قيمٌ تُحمل قبل أن يُرتدى
فحضور البشت اليوم في المناسبات والاحتفالات يعيد تذكير الأجيال الجديدة بامتداد هذا الإرث وبالعلاقة العميقة بين اللباس والقيم التي يحملها فهو ليس عباءة فحسب بل سجلٌ بصري لحقبة طويلة من التاريخ وعلامة على ما مثّله الرجال الذين ارتدوه من مسؤولية ورجولة ووقار
البشت إرث ثقافي وإنساني وحفظه في قائمة اليونسكو توثيقٌ لرمزية صُنعت عبر الزمن رمزٌ يظل حيًا ما دامت قيمه حاضرة في النفوس وعلينا أن نوصل حقيقتها للأجيال