نيروز الإخبارية : نيروز الاخبارية:
الدكتور عديل الشرمان.
كثر الحديث عن لعبة الببجي المثيرة التي لاقت رواجاً بين الشباب ، ولقيت اهتماما من الواعظين وخطباء المساجد وعلماء النفس والاجهزة الأمنية، واحتلت مساحات زمنية في وسائل الإعلام.
هذه اللعبة تقوم على أساس الهروب من الواقع الحقيقي الى عالم افتراضي يجد فيه اللاعب نفسه، ويحقق ذاته، ويفرغ طاقاته الكامنة، ويشبع معها غرائزه، بحيث يقضي على خصومه قتلا وتدميرا، وسفكا للدماء، والانتقام من الآخرين، وكأنها لعبة تترجم حالة الإحباط التي يشعر فيها الشباب في واقع حياتهم، وبممارستها يبددون اوقات الفراغ والملل التي يعيشونها.
لعبة الببجي هي عالم افتراضي، لكنه في الواقع يمارس حقيقة على أرض الواقع بأساليب مختلفة، وبطرق من نوع آخر وبالوان واشكال اكثر اثارة، ألم تكن الحروب المدمرة عالميا، وما حصل ويحصل في بلادنا العربية على وجه الخصوص من قتل وتدمير وتشريد وتصفية للخصوم، ألم يكن ذلك عالم واقعي يشبه عالم تلك اللعبة التي نتحدث عنها ونصفه بالعالم الافتراضي.
كلما استطعت تخطي أحد المستويات بنجاح تحصل بحسب قواعد اللعبة على مكافأة وهي الانتقال الى المستوى الذي يليه، تماما كما يحدث في ممارسة الفساد على ارض الواقع في مجتمعاتنا، فكلما نجحت في تخطي قضية من قضايا الفساد تنتقل إلى ممارسة مستوى آخر اكبر واشد خطرا، وكلما نجح الفاسدون في كسب جولة من جولات إقصاء الآخرين والتخلص منهم وابعادهم عن الطريق، كلما انتقلوا إلى مستويات أخرى من الفساد والعنجهية وعزة النفس ، تماما كما لعبة الببجي التي تمارس على أرض الواقع.
ومع كل مرحلة من مراحل اللعبة تزداد الإثارة والمتعة والتلذذ، وهي نفس المتعة التي يشعر معها الفاسدون في مجتمعاتنا وهم ينجحون في كسب جولات الفساد وتخطيطها بنجاح للانتقال إلى مرحلة متقدمة تكبر معها الصفقات وتزداد معها المنفعة والنفوذ والتلذذ بالنتائج والمكاسب.
هناك اعتقاد يسود بين ممارسي هذه اللعبة وهو أن أكثر من ثلاثة أرباع من يمارسونها يحملون ولاء كاملا للعبة ، ومعظمهم من العالم الثالث ومن العرب على وجه الخصوص، وهو نفس الولاء الذي يحمله الفاسدون لما يقدمون عليه من ممارسات وافعال .
أشارت إحدى الدراسات إلى أن الشباب الذين يمارسون مثل هذه الألعاب الافتراضية يظهرون استجابة إنسانية وأخلاقية لأحداث اللعبة، ويشعر البعض منهم بالذنب والحزن بعد عمليات القتل الافتراضية لهذه الالعاب، وهذا ما لا يحدث في العالم الحقيقي في كثير من الأحيان، حيث لم يظهر الفاسدون والقتلة اي نوع من الأسى والأسف ولم يظهروا أية اعتبارات إنسانية وأخلاقية لما يقومون به من قتل وتدمير وسلب لأموال الناس وانتهاك لحقوقهم مما يعطي انطباعا أن عالم الببجي الافتراضي ارحم من عالمنا الحقيقي.
لعبة الببجي الخطرة المدمرة، أنها اللعبة التي أنتجتها الشركات المصنعة للشباب لكسب الربح والوصول إلى المال، وهي نفس لعبة الفساد التي أنتجتها بعض الأنظمة الحاكمة في بلدان العالم الثالث للكبار لكسب المال والوصول إلى السلطة والمواقع القيادية والانفراد بها بعد إزاحة الخصوم، وفي كلتا الحالتين أو اللعبتين إدمان خطير لا يمكن القضاء عليه أو الحد منه إلا بمعالجة أسبابه واقتلاع جذوره، وهي على الأغلب الاعم اسباب أخلاقية وإدارية.
حقا أن عالم اليوم هو عالم الببجي، وكما انتفض الواعظون والمرشدون والمصلحون والعلماء والمختصون للتوعية من مخاطر هذه اللعبة والحد من أخطارها المدمرة، فإنهم مطالبون بانتفاضة أشد قوة للتوعية من مخاطر لعبة الفساد الإداري والمالي والاخلاقي الاكثر خطرا على المجتمعات، والقضاء على الفاسدين الذين يعيثون الفساد في الأرض.