نيروز الإخبارية : نيروز الاخبارية :
كتبت : جميلة السرحان
يــمه يـا نبع الحنــان..
يـا عطر روح المكــان..
الـغلا بـاقي زمـان..
و أنتِ أغلى من الـعيون..
ماذا عسى حروفي تكتب أمّاه ؟ أشعر بخيانة الكلمات ، وتبعثُر الحروف فلا أستطيع لملمتها ، إلا أنني أمّاه أحاول نسجَ وشاحاً لكِ ، أحد الحروف ملوناً يقتربُ بحبٍ من سنارتي ، فبدأتُ بالنسيجِ فإذا بي أسمع أصوات وأصوات فأسرعت إلى الرواق ولكن الصوت بعيدٌ جداً ، فجلستُ مُنْصتةً إلا أنّ ريشة خيالي أخذت برسم ما تسمع فإذا بوليدٍ قد حمَلته أمّه وهْناً على وهْن ، وكان بينه وبين أمّه حبل سري ، فانقطع يوم ولادته ، إلا أنّ حبل حنان أمه لا تقطعه الايام والسنين مهما طالت ، فأخذ يضع أصابعه في عينيها مرةً ومرةً أخرى يشد شعرها وهي متعبة إلا أنّها تنظر إليه بشغف وحبٍ كبيرين.
وتأخذ وتغني لوليدها وهي تحممه ( حمامك سعادة حمامك هنا على عيونه ما بتخاف قد ما بخاف أنا) بفرحة لا يتسع لها الكون وتلفه بحضنها خوفاً عليه من البرد ،ثم إذا بها تأخذ بيديه ( دادا دادا هالله هالله ، دادا دادا يا ماشاالله ، دادا حبه حبه ، دادا خط العتبه) حتى داست رجلاه على الأرض ، فأخذ يتكلم ببعض الحروف فيقول : أحبك أمي ثم أمي أريد أن أكبر بسرعة ، وفجأة يصبح ينزعج من كلامها فيقول لها : (دعيني وشأني ، أمي أنت مزعجة ، أمي هذا ليس من شأنك).
لكنها لا تتململ ولا تمتعض ولا تغضب ، ذاك النبع الذي بداخلها لا ينفذ بل يفيض فيضاً ، فيُغدق الأرجاء ، فتأخذ ترتب ملابس ابنها وتعد له الطعام وتتفقده عند نومه فتغطيه وهي تُقبّل جبينه وتقول : يا عمري إنتَ ، فليحفظكَ الرحمن.
أمّه لا تعرف القراءة ، لكنّها على أصابع يديها علّمته العدّ والحساب ، وكررت عليه سورة الفاتحة وآية الكرسي ، وغنّت معه ماما ماما يا أنغاما ، وقصّت له الحكايا العجيبة والمثيرة ولا شهرزاد في ألف ليلة وليلة.
وحين يشعر بالألم فمهما تناول من الأدوية إلا أنّ دوائها لا يوجد عند أي صيدلاني أو طبيب ، فبمسحةٍ من يديها وقُبلة منها تُزيل الألم وتهدأ النفس ، ومهما اختلف مع الآخرين فبدعائها تسير الأمور على دوماً على خير.
هو إبنها هو امتدادها هو نور عينيها ، هو من يشبهها في شعرها ولون عينيها ، وحين أصبح ناضجاً أصبح يقول : أمي افتقدتكِ ولا أريد الإبتعاد عنك ِ وهي ابنتها حينما أصبحت أمّاً عرفت معنى الأمومة ، فأخذت تقول : (هل يمكن للوقت أن يمر ببطء حتى لا تكبري يا أمي) ، وتقول : قولوا لها أني اقبّل خدها..
وسواد عينيها وموطئ رجلها..
لو في يدي لمحوت كل همومها..
وبذلت عمري والحياه لأجلها..
هي أمي..
فهنيئاً لمن استيقظ صباحاً ورأى أمّه ، فقد امتلك الدنيا ، فالأم حياة والبقية تعوضهم الأيام ، الأخ والأخت والأقارب والأصدقاء تعوضهم الايام ، إلا الأم فلا يمكن للأيام أن تعوضها.
فالأم هي الأصل والمكنون ، والقلب الذي لا يخون ولا يغدر ، فقد يغدر بك قريب أو صديق ، لكن أمّك فلا.
فالأم واحدة لا يشبهها أحد في الوجود ، فاللّه سبحانه قد خلق من الأشياء أربعين شبيهاً ، إلا الأم فهي واحدة لا مثيلَ لها.
فيا أمّاه تخنقني عبراتي كلّما رأيت خطوط العمر تزين وجنيتك ، وكلّما رأيت تعب السنين يُلقي بكاهله ليُوّشح رأسكِ.
يا منبع السعادة ، يا ملاذنا الوحيد من همومنا ، فكلّما رأيناكِ اشتقنا لطفولتنا ، فمهما كبرنا نبقى أطفالكِ المدللين.
يا مدرسة أسّست، وربّت وتعبت وسهرت وتحملت أعبائنا.
أمّاه أعذريني إنْ انحنيت لتقبيل قدميك قبل رأسك ، فأنا أجدُ فيهما ريحُ الجنة.
ويا لأولئك الذين يفتقدون أمهاتهم ، فأنْ تفقد أمّك يعني أن تشعر بالوحدة ، فقد فقدت من يمد لك يد العون والمساعدة ، فلو مُدت لك ألف يد لا تغنيك عن يد أُمك المليئة بالدفئ والحنان والعطاء والامومة ، وأن تفقد أمّك يعني أنّك في ألم دائم وحزن عميق ، وكلّ من ذاق فقدَ أمّه يقول : أمي إحساس لا يعرفه إلا من ذاق طعم مرارة اليتيم .
دعواتٌ لكِ بالرحمة والمغفرة يا أماه تخرج من فيه كلّ ابن.
ولكِ يا أمّاه يا من دفنت قطعة من جسدك وقلبك كلّه ، ثم وقفتِ أمام الباكين تطلقين الزغاريد ، أيّ قلب هذا الذي صدق اللّه وعده وما استكان ، فلكِ ألف تحيةٍ وسلام .
يا أمّ الشهيد وأمّنا ، ومثلُنا الأقوى والأنبل ، من مثلُك يقوى على تقديم قلبه للوطن طوعاً ومحبةً ، أيّ قلب لكِ ، فتجرعتِ الألم وكفتكِ :" الحمدلله".
فرحم اللّه أرواحاً لا تعوض ولا تولد مرة أخرى ، ورحم اللّه ضحكات لا تُنسى ، وملامحًا لا تغيب ، ورحم اللّه كل روحٍ غالية تحت الثرى ، إنْ كانت إبناً لأمّ أو أمّ لابن .
ويا رب ارزقنا برّ أمهاتنا وآبائنا ، وامددهم بالصحة والعافية ، وادخل البهجة والسرور على قلوبهم ، وارحمهم يا الله في الدنيا والاخرة ، واجعلهم من أصحاب الجنة وارحم يا رب من فارق الدنيا منهم ، وامدد بعمر من بقى بصحة وعافية يارب..
ومهما كتبنا يا أمّاه لكِ فلا الحروف ولا الكلمات ولا كلّ فنون الشعر والنثر تستطيع وصف محبتنا لكِ يا أمّاه .