نيروز الإخبارية : نيروز الاخبارية :
العميد الركن م اسماعيل عايد الحباشنه
ان تسميّة معركة الكرامة بهذا الاسم يعود إلى المنطقة التي حدثت فيها المعركة، وهي قرية الكرامة، وهي قريّة تقع على الجهة الشرقية من نهر الأردن، وهي من القُرى التي لها تاريخ عريق، حيث مرّ عليها العديد من الحضارات والممالك، مثل:
الحضارات: الأدومية، والمؤابية، والعمونيّة، والآرمية، والآشورية.
الممالك: الأنباطية، واليونانية، والرومانية، والبيزنطية.
إضافة إلى أنها تحتضن في تُرّبتها العديد من مقامات الصحابة رضوان الله عليهم، وأبرزهم:
الصحابي أبو عبيدة عامر بي الجراح.
الصحابي ضرار بن الأزور.
الصحابي شرحبيل بن حسنة.
الصحابي مُعاذ بن جبل.
الأيام الخوالد في تاريخ الأمم تبقى شواهد حية لقدرة الشعوب والأمم على النهوض ورسم تاريخها بصورته المشرقة الزاهية، ولمعركة الكرامة في نفوس أبناء الأسرة الأردنية الواحدة أعظم الذكرى والاعتزاز والفخار عندما سطر جيشنا العربي على ثرى غور الأردن الطاهر بدماء أبنائه الزكية أروع ملحمة بطولية تاريخية، وسجل أول نصر تاريخي على الجيش الإسرائيلي المتغطرس، وحطم أسطورته وغروره، إذ نقشت الكرامة الخالدة بطولة جنود الجيش العربي على صفحات التاريخ وعانقت به أمجاد أجدادنا السالفين في حطين واليرموك وعين جالوت
تؤلف منطقة غور الأردن سجلاً حافلاً يصور البطولات والمعارك وتمثل ارض الرباط في سبيل الله ، وهي من الأهمية الاستراتيجية والجغرافية بمكان مما جعلها محط أنظار الأعداء الطامعين مما حدا بهم إلى التخطيط المستمر والسعي المتواصل وإلى ترجمة أطماعهم والسعي لتنفيذ مخططاتهم وإحاطة أنفسهم بهالة بأنهم يمتلكون القوة ويستطيعون فعل ما يشاؤون. ولقد كان صمود الجيش العربي الهاشمي في معركة الكرامة بمثابة نقلة نوعية في تنامي الروح المعنوية العالية ، والقدرة القتالية النادرة التي يتمتع بها الجندي الأردني ، وهذا الصمود والنصر كانا منعطفاً هاماً في حياة الأمة العربية تحطمت خلاله أسطورة التفوق الإسرائيلي وأبرزت للعالم أن في هذا الوطن جيشاً يأبى الضيم ويدحر العدوان ، ويذود عن حماه بالمهج والأرواح ويدافع عنه بكل ما أوتي من قوة. ومهما كان احتفالنا بهذه الذكرى الخالدة فإننا لا نستطيع أن نفيها حقها لأنها أكبر من كل الكلمات وأكبر من كل الاحتفالات فهي معركة أعادت إلى الأمة احترام الذات بعد نكسة حزيران وان النصر الذي حققه جيشنا الباسل البطل في هذه المعركة جاء في وقت كنا فيه بأمس الحاجة إلى ملامح نصر وعزة وكرامة وإلى وقفة كلها شرف وإباء وكانت معركة الكرامة التي هي أول نصر مبين يحققه جيشنا المصطفوي للعرب عبر صراعنا الطويل مع إسرائيل وقوتها العسكرية المتغطرسة أثبت خلالها الجيش العربي ان النصر العسكري العربي على إسرائيل ليس مستحيلاً وإنما هو مؤكد كما حدث في معركة الكرامة. إذن معركة الكرامة هي بوابة المعارك ومؤشر الانتصارات التي أدخلت الأمة بكاملها دائرة الفعل وأخرجتها من آلامها وجراحها التي سببتها نكسة حزيران وما خلفته من آثار سلبية على النفس العربية... واحتفالنا بمعركة الكرامة العربية في الأردن هنا أمر طبيعي لأنها جزء من تاريخنا العسكري الذي نفخر ونعتز به حيث انها لم تكن مجرد معركة استبسل فيها الجيش العربي وخاضها ودحر العدو وغطرسته فحسب ، بل كونها جاءت لتعطي المعتدي درساً واضحاً بأن حروبه معنا ليست نزهة وانها لم تهزم عدواً طامعاً حاقداً فحسب بل ضمدت جرحاً عربياً مكلوماً بسواعد أبناء الأردن البررة وقوتهم النافذة يوم تثبتوا بأرضهم المباركة الطاهرة التي هي موطن الآباء والأجداد يتمنون إحدى الحسنيين وهم يعلمون تماماً أهمية الموقف الأردني المشرق الذي ترسمه البطولة والتضحية والرجولة
وانطلقت الهمة العربية من عقالها في تحرير الإرادة العربية وإعادة الثقة للجندي العربي والجيش العربي المصطفوي الذي حباه الله بقيادة جلالة المغفور له الحسين بن طلال طيب الله ثراه وارث رسالة الحرية والوحدة التي فجرها جده جلالة المغفور له الشريف الحسين بن علي رسالة الثور لعربية الكبرى التي جاءت لتخلص العرب من التبعية والظلم والاستبداد ويحمل أمانة الوفاء للرسالة التي قضى في سبيلها شهيداً جده المغفور له الملك عبدالله بن الحسين مؤسس المملكة الأردنية الهاشمية، وصانع استقلالها، وباني الجيش العربي، حصن الوطن، المدافع بكل أمانة ومسؤولية عن ثرى الأردن الطاهر الذائد عن حمى العروبة وقضايا الأمة العربية في كل زمان ومكان، ولقد قدم الجيش العربي عبر تاريخه المجيد أمثلة للتضحية والبطولة، فحق لنا أن نتباهى به قوةً وعزة موفورة الجانب، مثلما يحق له علينا أن نحيي صنائعه البيض، ومواقفه الكبيرة في الذود عن حياض الوطن وشرف الأمة
إن معركة الكرامة التي سطرها الجيش العربي ستبقى درةً مشرقةً على جبين الأردن ورمزاً وطنياً على مر الأيام عندما التقى جمع الحق والإيمان بجمع الباطل المتغطرس المُعتدي، وكان لجندنا الأشاوس في يومها صولات وجولات ترددت لها جنبات الوادي المقدس تحكي قصة المجد المطرزة بزغاريد النشامى،تسابقهم أرواحهم حباً في الشهادة، وافتداءً للأرض، وصون الحمى
من أقوال المغفور له جلالة الملك الحسين بن طلال -رحمه الله....
إن إسرائيل لديها المعدات والموارد ولكننا أيضاً نعلم أننا هنا نعيش، وهنا سنموت، وإذا قُدر لنا أن نموت فإننا سنحاول أن يكون الثمن غاليا
فيا شهداء الكرامة ، ويا ملح الأرض ، ويا شهداء الأقصى واللطرون وباب الواد والجولان ويا شهداء كل مواقع العز والشرف والرجولة ، ستبقى سيرتكم العطرة قناديل هدى لمعاني الحرية والسيادة ، ومشاعل حق لمعاني النصر والإرادة ، ولحناً أردنياً مكللاً بالحناء والدحنون والقيصوم والشيح والزعتر ، شامة على جبين التاريخ ، وعنواناً صادقاً لوجودنا وكرامتنا ، ونهجاً أردنياً هاشمياً ضارباً في عمق التاريخ والحضارة نتلو على أرواحهم صباح مساء قول الحق تعالى"ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتاَ بل أحياءّ عند ربهم يرزقون" وسيبقى الأردن بقيادته الهاشمية المظفرة المكان الآمن بإذن الله والموئل العزيز للأحرار ومشعلاً للحرية والعدل والمساواة وبوابة الفتح والنصر والكرامة وسيبقى الجيش العربي الذي صنع نصر الكرامة عنواناً للأمن والسلام فمن الحسين إلى أبي الحسين رايات عز وفخر تبشر بمستقبل مشرق وأمل كبير وعطاء بلا حدود .
وفي الحديث عن هذه الملحمة علينا ان نعي دروس الكرامة وما يمكن ان يفعله الأردنيون لأنفسهم ووطنهم ومستقبلهم إذا أرادوا خاصة في ظل الظروف الرديئة التي يمرون بها الوطن من صراعات في الجوار ومؤامرات دولية ودسائس وتطرف وإرهاب.
وإذا كانت معركة الكرامة معركة عسكرية قاتل فيها البواسل من الجند والضباط فان معركتنا اليوم السياسية والاقتصادية والاجتماعية تقتضي منا ان نكون جنودا كل في موقعه، وتحتاج الى كل التضحيات التي تحتاجها المرحلة، ولكل الكفاءات وكل المبدعين وكل القادرين على الوقوف في معركة البناء والإصلاح الوطني لنجعل من الأردن مثلاً يحتذى لكل الشعوب ولتكريس القيم الايجابيه في المجتمع نحن مطالبون جميعا كل في مجال عمله ان يكون قدوة في الالتزام والاحترام لنحمي وطن يتربص به الحاقدين والشامتين والأعداء......