تشكل قضية حملة الدكتوراة العاطلين عن العمل مشكلة اجتماعية وانسانية وتتعاظم هذه المشكلة يوماً بعد يوم إذ نشهد زيادة كبيرة في أعداد العاطلين عن العمل من هذه الفئة وصل الرقم الى ما يقارب (ستمائة شخص) بمختلف التخصصات، وقد تنامت هذه المشكلة بفعل اسباب اجتماعية واقتصادية وسياسية ، فمن المعروف ان الشباب الاردني طموح ويسعى دائما للمقارنة ويحاول تحسين وضعه في السلم الاجتماعي إذ أصبحت الشهادة مقياس للقبول الاجتماعي في كثير من المواقف، وقد يُمضي بعضهم عمره للحصول على أعلى الشهادات الاكاديمية خصوصا في المجتمعات الريفية والقروية لان المركز العلمي اصبح مصدر افتخار، وقد انعكس هذا بشكل واضح تماما على عدد الخريجين، وقد واجه قسم كبير من حملة الدكتوراه في بعض الاحيان مشكلة عدم الاعتراف حتى من الجامعات التي يتخرجون منها فهي تتنكب لهم وتستثنيهم عند الاعلان عن الشواغر لديها، والجامعة الاردنية مثالاً واضحا على ذلك. السبب الثاني في تعاظم المشكلة تجاري ويعود لتوسع بعض الجامعات الخاصة والحكومية في طرح مسارات للدارسات العليا دون التفكير الجدي بوجود سوق محلي يستوعب هذه الاعداد المتزايدة، وكان المبرر في بداية الامر هو استقطاب الطلبة من دول الخليج خصوصا في التخصصات التربوية حيث تتوفر الخبرة الاردنية في هذا المجال ولكن لم تستمر هذه المعادلة كثيرا فاصبحت البرامج المطروحة تفيض بالطلبة من الاردن واصبحت تغذي السوق المحلي باعداد كبيرة من الخريجين معظمهم لا يجد وظيفة خصوصا في المجال الاكاديمي الجامعي. اما السبب الاخر فهو يتعلق بسياسات الحكومة الخالية من بعد النظر لوضع خطط مدروسة لتلافي هذه المشكلة فلم يعد مجلس التعليم العالي قادراً على رسم خريطة طريق تُخرجنا مما نحن فيه من تخبط، وهنا يثور سؤال مهم على سبيل المثال لا الحصر، كيف يسمح لثلاث جامعات والرابعة على الطريق بطرح مسار دكتوراه في العلوم السياسية تخرج العشرات سنويا خصوصا من العاطلين عن العمل اساسا دون دراسة معمقة لابعاد هذه القرارات؟. كما فاقمت المحسوبية والواسطة من مشكلة حملة الدكتوراه فنجد بعض الخريجين يحجز مقعده الوظيفي قبل تخريجه بينما نجد المئات ومضى عليهم سنوات عاطلين عن العمل، ويزداد الظلم عندما تجري بعض المقارانات فنجد خريج دكتوراه علوم سياسية من جامعة موتة يعمل بائعاً في اسواق المؤسسة الاستهلاكية العسكرية براتب لا يتجاوز 300 دينار شهريا، وخريج بكالوريوس يحجز مقعده كملحق دبلوماسي في وزارة الخارجية، الحكومات المتعاقبة اوصلت الناس الى درجة متقدمة من الاحباط والالم والخوف على المستقبل خصوصا مع غياب الوعي والادراك الكامل بحاجة السوق من الخريجين في ظل ثقافة سائدة تعترف بالدور الابوي للدولة فالكل ينتظر حقه بالوظيفة العامة ايماناً منهم بان الدولة ملزمة بذلك. الان يحاول بعض المتعطلين من حملة الدكتوراة الضغط على الحكومة بتنفيذهم اعتصاماً مفتوحاً امام رئاسة الوزراء في سعي منهم للضغط على الحكومة لايجاد مخرج لحل ازمتهم، ولكن هل تستطيع هذه الحكومة الغارقة في تزبيط المحاسيب والمتنفذين وتأمينهم بالوظائف، ان تحل مشكلتهم ، وهي تضم في فريقها وزراء جاءوا بالبرشوت ولم يعملوا يوماً واحداً في القطاع العام ، اعتقد انها عاجزة عن القيام بذلك الدور. وهنا اتساءل كيف نقنع الناس بعدالة القرارات والسياسات التي تنتهجها الحكومات المتعاقبة وكيف نستطيع غرس الانتماء في عقول وقلوب من تُهدر الفرص أمامهم لتذهب للمتنفذين وأصحاب الواسطات. استاذ العلوم السياسية جامعة البترا* ناشر موقع وطنا اليوم الاخباري* كاتب في الشأن المحلي والاقليمي*.