بدأنا نلحظ في الآونة الأخيرة انتشار ما يسمى بالامتحانات المحوسبة في بعض الجامعات الاردنية ، وفي مختلف التخصصات العلمية والإنسانية ، بذريعة مواكبة التكنولوجيا وادوات العصر وتوظيفها في تطوير العملية الأكاديمية ، وتوفير الوقت والجهد وتحسين أدوات قياس مستويات الطلبة .. وربما ايضا من اجل مواجهة اكتظاظ اعداد الطلبة في الشعب الدراسية في ظل صعوبة اجراء اختبارات ورقية لهم .
وقد نجد في الاختبارات المحوسبة ما يبررها في التخصصات العلمية طالما انها تخضع للغة الارقام والمختبر ، وفي امتحانات المستوى والكفاءة الجامعية .. دون ان يعني ذلك عدم وجود اخطاء في برمجة الامتحانات المحوسبة في التخصصات العلمية ، واحتمالية عدم امكانية ادراج معادلات ورموز رياضية بشكل علمي صحيح مثلا ، اضافة الى احتمالية تداخل نصوص الاسئلة بين المصطلحات العلمية العربية والاجنبية ، وذلك نتيجة عدم توفر الخبرة الكافية لدى بعض اعضاء هيئة التدريس في وضع الاسئلة المحوسبة ، مما ينعكس سلبيا على الاجابة الصحيحة وعملية التقييم بشكل عام .
أما أن تنسحب الامتحانات المحوسبة على التخصصات الإنسانية مثل الآداب والحقوق والتربية والاعمال وغيرها ، والتي يفترض ان تعتمد على الحوار والتفاعل والنقاش في المحاضرة ، فهنا تكمن المشكلة ويبرز التناقض مع اساليب التدريس العصرية والتوجهات التعليمية الحديثة وطبيعة التعليم الجامعي في هذه التخصصات الانسانية تحديدا ، ودوره في صقل شخصية الطالب وتنمية مهاراته وطاقاته وقدراته العلمية والمعرفية ، وتعزيز ملكة الابداع والتفكير والتحليل والحوار والنقاش لديه ، وتحفيزها عبر أساليب تعليمية متطورة ومتقدمة تشجع على البحث والفهم والتفكير ، بما يسهم بتعزيز ثقافة الإبداع والتميز عند الطلبة واكتشاف طاقاتهم ومواهبهم وتوسيع مداركهم العقلية واكسابهم المهارات والخبرات المعرفية والثقافية والعلمية والعملية . ان الاختبارات المحوسبة التي تعتمد نتائجها والاجابة عليها على مادة صماء موجودة في الكتب والدوسيات المتوفرة لدى الطلبة ، تجعلهم لا يتفاعلون مع المادة ومدرسها ، ولا يفكرون بالمجيء الى المحاضرة ربما الا من اجل الحضور والغياب ، حتى لا يسجلون غيابا ويحرمون من المادة . وقد يتساءل البعض منهم عن مغزى الذهاب الى المحاضرة مثلا ، وتضييع وقته في حضورها ، طالما ان المادة الدراسية بين يديه وبحوزته ويستطيع دراستها لوحده .. وقد يذهب الى ابعد من ذلك ، وهو يتساءل عن مبررات عدم اعتماد الدراسة بالانتساب او الدراسة عن بعد ، طالما ان فكرة الامتحانات المحوسبة قريبة من هذا الاسلوب الدراسي وربما تتماهى معه ، إذ تعتمد على دراسة الطالب للكتب والدوسيات الموجودة لديه ، والتي تجعله يستغني عن حضور المحاضرات الجامعية . عزز من هذه الصورة السلبية تجريد مدرس المادة حتى من العلامة واقتصارها على المشاركة بنسبة لا تتجاوز عشر علامات . وذلك رغم اهميتها كاداة تعليمية ، يمكن لمدرس المادة توظيفها في خلق بيئة تعليمية تفاعلية ، تساعده في تقييم مستوى الطالب وجذب انتباهه وزيادة اهتمامه بالمحاضرة ، وبما ينعكس ايجابيا على تحصيله الدراسي . فاذا بنا نجرد التعليم الجامعي من احد اهم عناصره من خلال تهميش دور عضو هيئة التدريس في العملية التعليمية وفي توجيه الطالب وتعليمه وانخراطه في بيئة تدريسية تفاعلية حوارية للنهوض بمستواه التعليمي والثقافي ، تماهيا مع رسالة التعليم الجامعي التي تهدف الى تنمية مهارات الطالب وطاقاته الفكرية والمعرفية ، وبناء شخصيته وتعزيز ثقته بنفسه ، طالما ان الخطوة القادمة ستقوده الى الانخراط في منظومة الحياة العملية ، لممارسة كل ما تعلمه واكتسبه من مهارات ومعارف وافكار على ارض الواقع ، وذلك بحسب موقعه او دوره في المجتمع .
ومن السلبيات الاخرى المترتبة على هذا النوع من الاختبارات ، ان الطالب في الامتحان المحوسب يعرف نتيجتة فقط ، دون معرفة الاخطاء التي ارتكبها ، ولا حتى ما هي اجاباتها الصحيحة حتى يتعلم من خطأه ، ولا يعاود تكراره . وقد تراوده الشكوك حول جميع الاجابات وتتداخل عليه الامور بحيث لا يعرف الاجابة الصحيحة من الخاطئة .
واحيانا يدفع الطالب رسوما عادية لتسجيل بعض المواد ، ولكنه يدرسها ويمتحن بها اون لاين ، دون محاضرات بحيث يستفيد ويتفاعل مع المادة بشكل افضل .
وحتى عندما يعترض الطالب على علامته في مثل هذا النوع من الامتحانات ، يكون الرد بان الامتحان محوسب ، كناية عن انه لا يحتمل الخطأ . مع ان الاخطاء واردة في هذا الامتحان ، كما اثبتت ذلك التغذية الراجعة والملاحظات الواردة من قبل بعض الطلبة المتميزين ، وكذلك المراجعات التي اجراها بعض اعضاء هيئة التدريس من اصحاب الخبرة والتجربة والمعرفة الكبيرة في مجال تخصصهم ، والتي قادتهم الى اعادة النظر في نماذج الاسئلة المحوسبة من حيث التحديث والاختصار واعادة صياغة وتصويب بعضها .
مما يجعلنا نطالب بضرورة اعادة النظر بهذه النوعية من الاختبارات التي تؤثر سلبيا في بيئة التعليم ونوعيته وجودته ، وبصورة تتنافى مع اساليب التدريس الجامعي التفاعلي والتشاركي والحواري.