تحتل المناسبات السنوية مكانةً خاصةً في حياتنا، فتبعث فينا العزم والإصرار على المضي قدماً بعزم واصرار في ميدان الحياة نحو تحقيق المزيد من الإنجازات والرفعة والتقدم. وبالأكثر عندما تكون تلك المناسبات مناسبات عامة أو مناسبات وطنية، فهي تحتل في نفوسنا مكانة خاصة محفورة بين الضلوع والحنايا.
فماذا إذا كانت مناسبة فريدة كمئوية الدولة الأردنية التي لم نختبر مثلها من قبل؟ وهذه الذكرى التي اشتهى آباؤنا وأجدادنا أنْ يحتفلوا بها، ولكنهم وثقوا بأنَّ أبناءَهم وأحفادَهم سوف يُحييون هذه الذكرى المباركة التي تُلّخص تاريخ أمة مجيدة اختلط فيها العَرق والدم، خدمةً وعطاءً وتضحيةً وفداءً من أجل أن يقدموا للأجيال القادمة وطناً يستحقونه، ووطناً يستحق أن يُحتفل به حقاً لأنّهُ وَطَنُ المُعجزاتِ والبطولات والإنجازات، الذي تحقق بفعل كلِّ أبنائه المخلصين له والمنضوين تحت راية الثورة العربية الكبرى تحقيقاً للحرية والعدالة والمساواة وفي ظلِّ قيادةٍ هاشميةٍ مباركةٍ من نسبٍ نبوي مصطفوي، أساس حُكْمِهِم هو العدل بين الناس والإرتقاء بالإنسان كقيمة إنسانية غالية، لأنَّ الإنسان بقول الراحل العظيم الحسين بن طلال طيب الله ثراه " الإنسان أغلى ما نملك".
وإذ نستذكر مسيرةَ وَطنِ على أعتباب مئويته الثانية، إنما نستذكر القناعة الراسخة التي تأسس عليها الأردن منذ نشأته وهو مبدأ "الدين لله والوطن للجميع"، فجمع كلَّ العشائر الأردنية المسيحية والمسلمة في وِحدةٍ مُثلى، وَضَمَّ في جِنباته كلَّ أحرارِ العرب المسلمين والمسيحيين على السواء من غير تمييز بينهم في العرق أو الدين أو الجنس أو اللون، تماماً كما انعكس ذلك في الدستور الأردني للعام 1952، الذي رسَّخَ أسسَ المساواة بين جميع المواطنين أمام القانون وحفظ حقوق الجميع. فمنذ بدايته كرس الأردن وعبر مسيرته الطويلة احتضاناً للوائلين إليه من الأرمن وغيرهم وللاجئي الموصل من كلدان وأشوريين، فإحتضنهم الأردن بتوجيهات قيادته الهاشمية المباركة خير احتضان وحب ورعاية، مسطراً أروع صور الإنسانية النبيلة التي تتجاوز كلَّ الإختلافات العقائدية أو الطقوس والشعائر الدينية والتي هي مصانة ومحمية بالقانون الأردني. وفي خطوة لاقت التقدير العالمي وهي خطة تطوير أهم موقع في الأردن بما يخص الإيمان المسيحي وهوالموقع التاريخي لعماد السيد المسيح، وبناءُ الكنائس المتعددة والشاهدة على النسيج الفسيسفائي المسيحي في ذلك الموقع، مما عكس تعدد التراثات الكنسية على الأرض الأردنية والتي تحظى بالرعاية والإهتمام الهاشمي مباشرة من خلال هيئة المغطس التي يرأسها صاحب السمو الملكي الأمير غازي بن محمد المعظّم.
وما يتميز به الأردن أنه عمل على ترسيخ أسس الحوار الديني والوئام والعيش المشترك القائم على احترام الآخر واحترام إيمانه وعقائده وطقوسه وشعائره، والتعاون معه في إطار المواطنة المتكافئة، التي تحافظ على كل مكونات المجتمع الأردني، وتراعي وجهودهم وتمثيلهم في كل الدولة ومؤسساتها التشريعية والتنفيذية والقضائية. ولهذه الغاية تم تأسيس المعهد الملكي للدراسات الدينية برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال المعظم.
وقد رسخت المبادرات الملكية من رسالة عمان وكلمة سواء وأسبوع الحوار بين الأديان نهجاً أردنياً عربياً هاشمياً أصبح محط أنظار العالم ونموذجاً يحتذى به للمجتمعات متعددة الأديان والأعراق والإجناس. وللحقيقة، فإنّ الأردن قد حقق نجاحاً متقدماً ومميزاً في حوار الأديان رغم جحود كثيرين، لكنه كان سبباً في الإنتقال به إلى مفهوم حوار الحياة في كل المشتركات والقيم والمبادئ الإنسانية التي تجسدها الأديان السماوية لتحقيق السلم المجتمعي والتعاون والتعاضد لبناء الوطن بعيداً عن أية صراعات طائفية أو دينية أو غيرها.
نبارك لأنفسنا بمئوية الدولة، ويحق لنا أن نحتفل بمائة عام مضى، وأن نضيئ شمعة المئوية الثانية بفخرٍ واعتزار لما تحقق وخصوصا على صعيد ترابط ووحدة الأردنيين وتضامنهم وتعاضدهم من شتى المنابت والأصول، مسلمين ومسيحيين معاً، في احترام متبادل وانتماء صادقٍ للوطن وولاء لقائد الوطن المفدى، فهذا الوطن لا وطن لنا سواه، ولا قيادة لنا بديلة على قيادتنا الهاشمية بقيادة عميد آل البيت جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم.