يعيش ما يعرف بـ”جبل التحكيم الأشعري” في قضاء أذرح بمحافظة معان، على وقع التهميش والعزلة، فهو رغم أهميته التاريخية والدينية كشاهد حي على مرحلة مفصلية في زمن الخلافة الإسلامية، ما يزال خارج الاستثمار والترويج السياحي.
وشهدت منطقة أذرح أبرز وأهم حدث سياسي أعقب الخلافة الراشدة، فيما يعرف بواقعة "التحكيم” الشهيرة بين الصحابيين الجليلين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، بعد معركة صفين العام 37 هجري، بين جيوش علي بن أبي طالب وجيوش معاوية بن أبي سفيان، بسبب مقتل الصحابي الجليل عثمان بن عفان، رضي الله عنه، والمطالبة بدمه.
ويعد الجبل، الذي يقع على قمة تل مرتفع في بلدة أذرح ويبعد نحو 25 كلم من معان، موقعا محصنا من جميع الجهات، ويوجد في أعلى قمته حصن قديم كاشف للمنطقة التي حوله، وتحيط به عيون الماء وتقع على مقربة الجبل قرية صغيرة "الطميعة”، وهي أبرز وأهم المواقع التاريخية في المحافظة؛ حيث شهد هذا المكان واقعة تحكيم تاريخية بين الطرفين أنهت قصة الصراع السياسي، فقد اختار معاوية بن أبي سفيان ممثله الصحابي الجليل عمرو بن العاص، بينما اختار علي بن أبي طالب مندوبا عنه الصحابي الجليل أبو موسى الأشعري لتقع بينهما عملية التحكيم.
ويبدي سكان منطقة أذرح استياءهم من التجاهل والتهميش والإهمال الذي يلحق بـ”جبل التحكيم”، وعدم استغلاله كتراث حضاري وتاريخي ومزار سياحي، ليكون مكانا للزوار من مختلف المناطق، من خلال السعي إلى لفت الأنظار إليه وزيادة الاهتمام به، ما قد يسهم بإنعاش المنطقة اقتصاديا وسياحيا.
وطالبوا الجهات المتخصصة في وزارة السياحة والآثار ووزارة الأوقاف، بالعمل على إدراج "جبل التحكيم” على خريطة المواقع السياحية والدينية بالمملكة، والعمل على توفير البنية التحتية الملائمة للموقع، من خدمات الطرق والإنارة وإيصال المياه، لاستثمار المنطقة واستغلالها سياحيا، نظرا لأهميتها السياحية والأثرية، ما يجعل منها منطقة جذب سياحي محلي وعربي ودولي إذا تم استثمارها بشكل مناسب.
ويزخر قضاء أذرح بمواقع ومبان أثرية اكتسبت خصائص تاريخية ودينية، تحكي قصة تاريخ وحضارة أصيلة، وتؤشر إلى تعاقب العديد من حضارات التاريخ الإنسانية عليها، فيما باتت معالم البعض منها مهددة بالاندثار، في حين أن البعض الآخر يواجه عدم الترويج السياحي لها.
ومن جهته، يؤكد رئيس بلدية الأشعري السابق أحمد المراعية، أن جبل التحكيم، ورغم أنه اكتسب خصائص تاريخية ودينية من خلال حادثة التحكيم، إلا أنه يعد حاليا موقعا سياحيا يتعرض للإهمال والتجاهل.
وطالب المراعية، الجهات المسؤولة، بأن يجد "جبل التحكيم” الرعاية والاهتمام، وجعله منطقة جذب ومقصدا سياحيا لتنمية المنطقة، كونه يعد من أهم المواقع السياحية والتاريخية، وجرت عليه واقعة التحكيم، من خلال إعادة استغلاله بالترويج له من خلال السياحة الدينية، وإخراج المنطقة إلى حيز الوجود لتخطو نحو التقدم والازدهار، ليأخذك جمال مواقعها شغفا لسماع حكاياتها التاريخية المشوقة.
وبين أحد سكان المنطقة عطا الله الجازي، أن "جبل التحكيم الأشعري” الذي تفوح منه أصالة الماضي وعبق التاريخ، ورغم أهمية المكان والقيمة التاريخية والحضارية والدينية التي يتمتع بها، إلا أن وجه الزمان غاب عنه وتلفحه نسائم الهواء العاتية، مطالبا الجهات المتخصصة بالاهتمام والرعاية أكثر في هذا الموقع كباقي الأماكن السياحية الدينية في المملكة، كونه ما يزال خارج الاستثمار والترويج السياحي.
ومن جهته، أشار مدير أوقاف محافظة معان الشيخ بلال البحري، إلى أن جبل "التحكيم” جرت عليه عملية التحكيم بين الصحابيين الجليلين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، وسمي هذا الجبل نسبة إلى الصحابي الجليل أبو موسى الأشعري مندوب الخليفة علي بن أبي طالب.
واعتبر البحري، أن "جبل التحكيم” يعد جزءا من مواقع تاريخية وأثرية عدة تزخر بها منطقة أذرح من آثار رومانية وقلعة عثمانية وغيرها من المواقع؛ حيث إن منطقة الجبل المرتفعة من المناطق التي سوف تكون وجها للسياحة الدينية حال
وجدت الرعاية والاهتمام، لما تتمتع به من إطلالة جميلة على جبال الشراة والبترا والشوبك والمزارع المحيطة بها.
إلى ذلك، أكد مدير سياحة محافظة معان الدكتور ياسين صلاح، أن وزارة السیاحة عملت على إيجاد مسارات داخلیة في المحافظة تهدف إلى ربط المواقع الأثرية والسیاحیة فیها ومنها جبل التحكيم، بهدف تشكیل منتج سیاحي جدید ومتنوع یسهم في جذب كل من السیاحة الخارجیة والداخلیة، من خلال ربط معان بمنطقة أذرح والشوبك والبترا وبسطة، وتنشيط الحركة السياحية.
وأشار صلاح، إلى أن تلك المشاريع الرائدة أسهمت بربط النقاط السياحية داخل المحافظة، وعززت استفادة المجتمعات المحلية سواء من خلال توفير فرص العمل، أو من خلال نشر الوعي الثقافي والتاريخي بمكونات الهوية الأردنية وحضاراتها المتعاقبة.
وقال إن الوزارة نفذت في قضاء أذرح مؤخرا مشروع إنشاء مركز زوار أذرح السياحي متكامل المرافق والخدمات، وترميم بيت حمد بن جازي التراثي في منطقة أذرح الأثرية بكلفة 247 ألف دينار، بهدف تطوير وتعزيز الواقع السياحي للمنطقة، لما تتمتع به من قيمة تاريخية وحضارية ودينية، تتمثل في وجود جبل التحكيم "الأشعري”، الذي يبعد عن مركز الزوار السياحي بأقل من 1 كلم، ما يجعله منطقة جذب سياحية.
وأضاف صلاح، أن مركز الزوار الذي وفر نحو 42 فرصة عمل من أبناء المنطقة، سيتيح لأبناء قضاء أذرح والجمعيات الخيرية العاملة فيه فرصة عرض منتوجاتهم وإبداعاتهم والعمل على تطويرها وإيجاد سبل لتسويقها، فضلا عن أهمية المحافظة على الطابع والموروث التراثي للبادية الجنوبية والميزة التي ينفرد بها.
وبين أن منطقة أذرح هي عبارة عن تكامل حضاري؛ حيث تزخر بالعديد من المواقع الأثرية والتراثية والتاريخية والحضارية وتضم 5 حضارات في مكان واحد توثق الحضارة الإنسانية التي قامت على هذا المكان وامتدت الى الحضارة النبطية والرومانية والبيزنطية والعهد الإسلامي والعهد الحديث، من خلال المعسكر الروماني الذي يضم القلعة العثمانية والكنيسة البيزنطية وبيت حمد بن جازي التراثي.
وأوضح أنه تم وضع المسارات السياحية والمواقع الأثرية ضمن منطقة الاختصاص، وتم إدراجها على التطبيقات الذكية لتسهيل وصول الزوار لها، مشيرا إلى وجود برنامج سياحي متكامل لتلك المسارات، يتضمن مختلف الخدمات السياحية المدعومة من وزارة السياحة، وتلك الخدمات مدرجة ضمن برنامج "أردننا جنة”، وذلك بهدف تحفيز الحركة السياحية، كما يقدم هذا البرنامج تعريفا شاملا لأبرز الملامح الثقافية لمجتمعاتنا المحلية.