مصطلحان منحوتان في غاية الدقة والمعنى والمغزى، ومتضادان لبعضهما بعضاً، ولكنهما يضعان عالم اليوم أمام أحد الخياران إما حالة من العداء والتناحر والإقتتال والإشتباك أو العمل على التعاون والتكامل والتنسق المشترك والتشبيك في كل ما يخص المصالح المشتركة التي تخص جميع الأطراف المعنية.
إن هذا المصطلح ورد في كتاب د. عودة صويص الأخير " الإستراتيجية الأمريكية والحرب على سوريا" الذي تحدث عنه الأربعاء الماضي في صالون الفكر والثقافة وأثار جواً من النقاش حول سوريا والمنطقة العربية، فسواء اتَّفَقَ مع الكاتب البعض واختلف معه البعض الآخر، لكن لا أحد يختلف معه على أهمية هذه المصطلحين الهامين " التشبيك والإشتباك" وضروة الخروج من حالة الإشتباك إلى حالة التشبيك.
ربما الحياة هي مدعاة للإشتباك الإيجابي معها وإلا تكون حياتنا على هامش الحياة بلا قيمة وبلا تأثير، فلا يكون لنا عندها كلمة في مجريات الأحداث التي تجري من حولنا، فتتحول حياتنا إلى سلبية قاتلة ولسان حالنا أنه لا شأن لنا بما يحدث من حولنا، فيكفينا أن نؤمن قوت يومنا "ونسير الحيط الحيط". هذه السلبية لربما متفشية هذه الأيام، مما تقتل فينا الروح المجتمعيَّة وروح المشاركة وروح الإهتمام بالشأن العام وبالصالح العام الذي ينعكس على حياة كلِّ أفراد المجتمع، ولا يمكن أن تستقيم وتستقر حياتنا كأفراد من غير استقرار المجتمع بأسره وأمنه وسلامه. فمن هذه الناحية حالة الأشتباك مع أمور الحياة هي ضرورية وتَنبعُ من إيماننا بأننا لسنا مجرد رقم عابر بل كائن بشري قادر على التغيير نحو تطور مجتمعاتنا ورقيِّها، فالله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بحالهم.
وأما المفهوم السلبي للإشتباك فهو حالة العداوة والمعاداة التي ندخل فيها مع جيراننا وأهلنا ودول الجوار، فبدلاً من أن يكون بيننا حالةٌ من التجانس والتكامل والتعاون والحوار والمصالحة المشتركة، فنكمّل بعضنا بعضنا مصادرَ طبيعية ومصادرَ بشرية وغذائياً وصناعياً وعلمياً واقتصادياً وتجارياً وطاقات كامنة، مشكلين بما يسمى حالة من الإكتفاء الذاتي. إن حالة التشبيك هذه هي على قدر كبير من الأهمية حتى داخل المجتمع الواحد بغض النظر عن الدين أو العرق أو الجنس أو اللون لأنه هكذا تُبنى المجتمعات وتتطور بتشاركية الجميع بالمعرفة والخبرة والتعاون، فتتشكل لدينا حالة أفضل ووعياً وانتاجاً وعطاءً وأَدَاء.
فهل نخلعُ من عقليتنا مفهوم الإشتباك إلى مفهوم التشبيك، هذا هو مفهوم المواطنة الحقيقي.