الفشل تجربة حقيقية وفعلية يعيشها الإنسان يوميا ويتم التعامل معها ومع نتائجها بطرق وأساليب وآليات متباينه تختلف من شخص لآخر بعض الأشخاص يتقبلون الفشل ويدرسون نتائجه ويستفيدون منه في تطوير أساليب وحلول مستقبلية أفضل لما سيواجهونه من تحديات.
بعض الأحيان يرى الأشخاص أن الفشل أمر مقلق لا يمكن احتماله فيتوارى الفاشلون عن العمل السياسي أو العمل العام تاركين الساحة لغيرهم من أجل تغيير الأساليب والطرق والأدوات وتخليص الجماعة من كابوس التجربة الفاشلة التي مروا بها.
إن في حالة وجود إدارات فاشلة يفترض أن يتنحى أصحاب الإداراة في محاولة لتجديد الدماء وضخ روح جديدة في المؤسسات لمن سيقود المرحلة المقبلة بأشخاص لديهم القدرة والجلد للتغيير في ضل تتابع القرارات لفاشلة التي تكلف المؤسسات الكثير من سمعتها وأدائها العام .
يجب على المؤسسات إيجاد طرق مختلفة للتعامل مع فشل الإدارات في تحقيق ماهو مطلوب منها ويتمثل ذلك في العمل الجاد على الإنسحاب أو الإختفاء التام إذا كان الفشل ذريعا ويودي بالمؤسسة إلى فقدان هويتها وكيانها وسمعتها.
عند العرب تحديدا ، يتم تجاهل الفشل وتبرز آليات الدفاع النفسي للأشخاص والجماعات على إعادة قراءة الواقع وتصنيفه على أنه نجاح وأنه مجرد تيارات صحية وطبيعية و لايؤخذ بعين الاعتبار قيمة الجهد المهدور في الدفاع عن إدارات فشلت بتصويب أقل الأخطاء وعملت على تراكمها ليصعب تجاوزها واصلاحها.
في الكثير من المواقف الحياتية، نتجنب الاعتراف بالفشل أو مجرد الحديث عنه نظرا لعدم تقبلنا للنقد أو حتى للنصيحة مهما كانت، فأغلب القصص التي نسمعها مليئة بالنجاحات المتتالية، فالكثير من مدراء المؤسسات يقصون للعاملين معهم حكايات عن قدراتهم الخارقة على تجاوز العقبات وحل المشكلات التي واجهتهم ويدعون التغيير الذي لايعترف به أحد غير خيالاتهم وأوهامهم وهم بعيدون كل البعد عن الواقع الحقيقي لطبيعة نهجهم الذي يقضي على الحماس لأي عمل ويعمل على تلاشي الطاقة لدى العديد من العاملين في المؤسسات .
القليل منا يتذكر المواقف والحالات التي تعثر بها في حياته فالانتقائية التي نمارسها نحن في بناء سيرتنا الذاتية والصور التي نقدمها للآخرين عن أنفسنا تسهم في ترسيخ المفاهيم غير الواقعية للذات وتحرمنا من فرص الاستفادة من الأخطاء التي وقعنا بها وكانت بمثابه فرصة إيجابية للتعديل والتصويب والتغيير .
في ضل التطور العلمي كان المنهج التجريبي أساس الإنجازات العلمية التي أسهمت في اشتقاق القوانين الفيزيائية والرياضية وسائر العلوم، وفي كل تجربة كان العلماء يستنتجون ويحللون أسباب الفشل ويختبرون قوة وتأثير العوامل المحيطة على النتائج، بهذه المنهجية استطاع الغرب أن يبني حضارة أصبح العقل فيها المشرع والتجربة هي المختبر حيث يجري إخضاع كل النتائج للتدقيق والتمحيص والفلترة.
إن استمرار تجاهل مجتمعاتنا ومؤسساتنا بالاعتراف بالفشل كأحد مخرجات أي محاولة إنسانية أو مجتمعية والإصرار على إظهار قراراتنا ومسيرتنا على أنها سلسلة من النجاحات التي لا تتوقف، من العوائق الكبيرة التي تحرمنا من الاستفادة من تحدياتنا ومشكلاتنا وبناء تجارب أكثر تماسكا وعقلانية .
الموقف الذي تتخذه ثقافتنا العربية من الفشل باعتباره أمرا معيبا وتتجنب الاعتراف بوجوده والتعامل معه كنتيجة محتملة لمحاولاتنا و إصرارنا على تزييف الحقائق وقلب الكثير منها عوائق مهمة في وجه التغيير وبناء الوعي الحقيقي للتصدي لمشكلاتنا بواقعية وموضوعية.