منذ نشأة الكيان الصهيوني وهو يعمل من خلال ميزانيات ضخمة ودراسات وأبحاث وعملاء من أجل إحداث شرخ في النسيج القومي العربي وخلق حالة فتنة عميقة بين العرب وما زال مستمراً وخصوصاً مع خدمات السوشيال ميديا المؤثرة وعلى ذلك شواهد كثيرة.
وبين الحين والآخر تأتي الشواهد متسارعة لكي تعود بوصلة العروبة لمسارها الصحيح ومنها على سبيل المثال ما حدث من تفاعلعربي على مستوى الحدث مع جريمة مقتل شيرين أبوعاقلة.
في الأردن ومنذ ساعات الصباح مع انتشار الخبر، سيطرت مشاعر مختلطة من الحزن والصدمة والغضب على المواطنين وقد ظهر ذلك جلياً في المرحلة الأولى من ذلك اليوم من خلال وسائل التواصل، وكان هنالك يقين بأن المجرم القاتل هو المحتل الصهيوني حتى قبل معرفة التفاصيل والحقيقة، لأن الكيان الصهيوني اللقيط قائم على مثلث القتل والتهجير القسري والاستيطان ولذلك فالقتل في الفكر الصهيوني المعادي للحياة هو منهج فكري ولن تكون شيرين استثناء وقد كانت في أحداث سابقة مهددة بالقتل.
كانت فاجعة كبيرة بمعنى الكلمة وتوحّدت المشاعر بين المواطنين، مررت في وسط البلد حيث الوسط التجاري والحديث الرئيسي هو مقتل شيرين وشاشات التلفاز في المحلات التجارية كانت متوحدة على قناة الجزيرة ومتابعة التفاصيل الدقيقة للحدث.
في ساعات المساء ظهرت وبشكل لافت للنظر ظاهرة على السوشيال ميديا تتحدث عن جواز الترحم على الفقيدة من عدمه، وانتقل ذلك الحديث إلى بعض المجالس وقد كانت حجة المدافعين عن الترحم على شيرين أقوى بكثير، لذلك لم ينجح ذلك الجهد المشبوه بتحويل مسار الحدث من جريمة مقتل شيرين إلى فتنه دينية بين أبناء الوطن الواحد.
صوت العقل في ذلك التحدي المغلف شكلياً بخلاف ديني كانتله الكلمة العليا وبالتالي عادت بوصلة الشارع الأردني للاتجاه الصحيح واستمرت مشاعر الحزن والغضب وتزايدت الأحاديث عن أهمية وجود ردة فعل لمواجهة القَتَلة الصهاينة.
السياسيون في الأردن لم تختلف مشاعرهم عن المواطنين، فعبر الكثير منهم عن ذلك من خلال كتابة مشاعره على وسائل التواصل والبعض الآخر تحدث من خلال المنابر الإعلامية.
في اليوم التالي للجريمة وقد اتضح الكثير من معالمها، لم يكن هناك أي حديث في الشارع الأردني غير الحديث عن شيرين وبدأ ذلك الاهتمام ينعكس على الأرض من خلال تصاعد المبادرات المجتمعية حيث أعلنت معظم النقابات المهنية عن نشاطات ووقفات وتجمعات للتنديد بالحدث وأعلنت المؤسسات المجتمعية عن تنظيم أمسيات لمواكبة الحدث، فقد كانت هذه وسيلة مباشرة للتعبير عن التضامن والغضب.
استمعنا في تلك التجمعات للكثير من الأحاديث ووجهات النظر العميقة واللافتة للنظر خصوصاً ما يتعلق بزوال الكيان الوظيفي الصهيوني، حيث يرى البعض أن وجود الكيان الصهيوني لم يعد مجدياً للعالم الغربي بل أصبح عبئا عليه من عدة زوايا.
على سبيل المثال فإن فاتورة وجوده باهظة الثمن والتي يدفع جزءا منها دافع الضرائب الغربي ليست ذات جدوى بالمقارنة مع أهمية وجوده في الماضي حيث أصبحت الدول الكبرى وخصوصاً الولايات المتحدة لها النفوذ الأكبر في المنطقة فما هي القيمة المضافة التي يشكلها وجود الكيان وتتطلب كل ذلك الإنفاق عليه؟ خصوصاً مع فشله المتكرر في مهمات قام بها منها اقتحام مخيم جنين عام 2002 والعودة عام 2022لاقتحام نفس المخيم وقتل شيرين التي غطت بامتياز فشل مهمته.
وأثارت جريمة مقتل شيرين أيضا، ومن ثم الاعتداء على جنازتها الرأي العام العالمي وتسبّب في خلل عميق مع العالم المسيحي وقد علت فعلاً الكثير من أصوات الساسة في بريطانيا، حيث تسببت الجريمة في إحراج الساسة الأوروبيين بشكل عام أمام الكنيسة تحديداً خصوصاً أن الجنازة لها قدسيتها ولم تحتوي اشتباكات متبادلة إنما فقط اعتداءات من شرطة الاحتلال على مواطنين عزل، ليس هذا فحسب، بل وثقت وسائل الإعلام في السنوات الأخيرة سلسلة فضائح لشرطة وجنود الاحتلال.
تناغم الموقف الشعبي الأردني مع الموقف الرسمي للدولة الأردنية ليس مجرد حدث عابر بل يستحق التركيز عليه وإبرازه، فهو يجسد فشل الجهد الصهيوني في خلق الفتنة بين أبناء الشعب الواحد، كذلك جسّد حقيقة وحدة مصير هذه الأمة وأبرز أيضا حقيقة أن الأردن هي الرئة التي تتنفس بها فلسطين.