الحياة التي نعيشها مليئة بالألغاز والأسرار التي قد يصعب فك شيفرتها رغم أنّ كثير من الأمور قد تتكشف وتتوضح مع الزمن.
ورغم كل ذلك لا يجب أن نكِّلَ في مسيرة حياتنا في البناء والعطاء والتضحية التي تسهم في بناء عالما الإنساني الجميل الممتد والواسع وفي جميع قطاعات الحياة التي تتقاطع في أساسياتها وهي أن يجد الإنسان مكاناً له في هذا الكون ويكتشف ذاتَه وسحرَ شخصيته ومواهبَه السماوية التي يقدر أن يساهم بها في دفع عالمنا نحو قيم الحب والجمال والفن والسعادة.
ربما هذه المقدمة تُعتبر مدخلا للسؤال المطروح: من أكون أنا في عيون الآخرين؟ فكثيرون يسألون أنفسهم هذا السؤال نفسه من أكون أنا في عيون الآخرين وهم في الوقت ذاته يرون أنفسهم بأنهم محور الكون وبأن الكون يدور حولهم وبدونهم لا يكون ما يكون. وربما هذا الأمر هو بسبب طبيعتنا البشرية المتمركزة حول ذاتها وأنانيتها أو ربما بسبب الثقافة السائدة في بعض المجتمعات التي تجعل محور الحياة يدور حول الشخوص وليس حول الفكر التراكمي البشري بروح التشاركية والمؤسساتية التي هي السبيل الوحيد للبشرية نحو المجد والرفعة والتقدم والإزدهار.
ولربما هذه هي إحدى عوامل تقدم المجتمعات الغربية وتراجع مجتمعاتنا العربية ليس لكونهم أفضل منا، فعندنا من الكفاءات والإمكانيات والقدرات الهائلة القادرة على إحداث النقلة النوعية في حياة مشرقنا العربي، فما ينقصنا هو تحرير العقل العربي على رأي محمد الماغوط ليكون تفكيرنا جمعياً ومنصَّبَاً على الصالح العام وبما يخدم مصلحة المجتمع أكثر مما يخدم مصلحة الفرد الضيقة والأنانية على حساب المجتمع والوطن والصالح العام.
لذلك يبقى السؤال من أكون أنا في عيون الآخرين يحدد بمقدار ما تكون حياتنا مكرَّسة في خدمة الناس وسعادتهم وراحتهم ورفع الظلم عنهم. ليس دليلا على ذلك أكثر مما لمسناه في جنازة الشهيدة شيرين أبو عاقلة التي شكلت مرآة حبِّ الشعب الفلسطيني بكامل أطيافه الفكرية والسياسية وبمسلميه ومسيحييه لهذه الإيقونة الصحفية التي اقتربت من معاناة الناس فشاركتهم همومهم وغمّست حياتها بجراحات معاناتهم وأنين قلوبهم ودموع مقلهم.. فكانت شيرين ذلك الملاك الذي يمشي على الأرض ليُطمئن قلوبهم ويثبِّت صمودهم ويبشرهم بقرب إنهاء معاناتهم.